من القواعد المعروفة أن التعبير عن حدث سياسى كبير درامياً سواء فى السينما أو التليفزيون، يستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، فالحدث الساخن يصلح للتعبير عنه أكثر، الفيلم التسجيلى والوثائقى الذى يتابع ويسجل ويوثق الحدث أثناء حدوثه. أما الفيلم الروائى الدرامى، فيقتضى مرور بعض الوقت قبل أن يصبح بوسع الكاتب أو المخرج التعبير عن الحدث باستدعاء خياله الخاص وتوسيع دائرة مخزونه الدرامى واستخدام موهبته فى صياغة شخصيات وأحداث يمكنها تجسيد «رؤية» سينمائية متميزة تصل للمتفرج ببساطة، دون أن ترهقه ودون أن تكرر أيضاً، ما سبق عرضه فى الأفلام التسجيلية. ولا شك أن الثورة المصرية فى 25 يناير حدث سياسى كبير هز مصر والمنطقة بأسرها، وصنع فيلم روائى عن جانب من الجوانب الدرامية الهائلة التى أحاطت بالثورة، ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، خاصة أن تفاعلات الأحداث لا تزال ممتدة وقائمة. غير أن يسرى نصرالله غامر فأقدم على صنع فيلمه الروائى «بعد الموقعة» الذى يعد الفيلم الروائى الأول عن الثورة، ليس هذا فقط بل إن الفيلم أيضاً ذهب إلى مهرجان كان، الذى يعد المهرجان السينمائى الأهم فى العالم، لكى يعرض فيلمه هذا داخل المسابقة الرسمية أيضاً، وهو حدث مهم بكل المقاييس. ولا يعرف القائمون على أمر مهرجان كان المجاملات، ولا اختيار الأفلام إرضاء لدول معينة، فهو أساساً، مهرجان مخرجين، كما أنه يدقق كثيراً فى اختيار الأفلام على أسس فنية وجمالية، وإن كانت الأحداث السياسية الكبرى فى العالم تفرض نفسها دون أدنى شك على برامجه واختياراته؛ لكن معرفتنا بأفلام يسرى نصرالله تقول لنا إنه ليس من ذلك النوع من المخرجين الذين يهرعون عادة إلى «ركوب الموجة» أو القفز إلى السهل، واستغلال الحدث السياسى ل«سلق» فيلم أو «تعليب» مسلسل تليفزيونى، يستغل موضوع الثورة لابتزاز مشاعر الجمهور أو الادعاء بأنه مخرج «ثورى»، فيسرى أساساً، مخرج مثقف سياسياً، والكثير من أفلامه يرتبط بالفكر السياسى، سواء أولها «سرقات صيفية» أو عمله الملحمى الكبير «باب الشمس» أو الجزء الدرامى السريع الذى أخرجه ضمن فيلم «18 يوم» المكون من عشرة أفلام قصيرة. وربما يكون هذا الجزء تحديداً مقدمة أو رسماً تخطيطياً أولياً لفيلم «بعد الموقعة» الذى سنشاهده بعد أيام فى مهرجان «كان». فلننتظر ونرَ..