يتربع الفقر دون منازع على عرش برامج ووعود مرشحى الرئاسة المصرية. فعلى عكس الساحة السياسية المشحونة بالانقسامات والاستقطابات، يتفق الجميع على أولوية مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية! فقد أفرزت الثورة عدة دروس ومراجعات لخطاب التنمية برزت فى برامج معظم المرشحين. أول هذه الدروس أن الإنسان المصرى هو مناط التنمية وليس عبئاً عليها أو ترساً فيها. وثانى الدروس هو ضرورة معالجة الاختلال المكانى فى التنمية المصرية والاهتمام بالريف والصعيد والعشوائيات والمناطق الفقيرة التى عانت طويلاً من الإهمال المنظم. أما ثالثها فهو ضرورة معالجة جذور ظاهرة الفقر خاصة الأمية. وقد جعل معظم المرشحين من العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر أساساً لبرامجهم، بل وحرص بعضهم على الإعلان عن برنامجهم الانتخابى من المناطق الفقيرة أو المحافظات المهملة. فالبرنامج الانتخابى للسيد عمرو موسى -على سبيل المثال- يُعرِّف الفقر بأنه «عدونا الأول»، وترد الإشارة إلى الفقر نحو 100 مرة، ويحدد البرنامج مدى زمنياً محدداً لتخفيض معدلات الفقر. ويجعل برنامج الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح «الانحياز الواضح للطبقات الأكثر فقراً» أحد أسس تحقيق التنمية الشاملة. وبطبيعة الحال تحتل مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية أولوية كبرى فى برامج المرشحين ذوى الخلفية اليسارية (حمدين صباحى -الذى يلتزم فى برنامجه بالقضاء على الفقر المدقع خلال 4 سنوات- وأبوالعز الحريرى وخالد على). كما تبرز العدالة كقيمة محورية فى برامج كل من الدكتور محمد سليم العوا والمستشار هشام البسطويسى، وهى من أسس التنمية البشرية فى برنامج النهضة للدكتور محمد مرسى. ومع «المغازلة» الواضحة للفقراء فى معظم البرامج، والحديث المتكرر عن العدالة الاجتماعية، تتفاوت الوسائل والأساليب التى يطرحها المرشحون لتحقيق هذا الهدف. فهناك ما يمكن تسميتها سياسات القاسم المشترك التى تتفق عليها معظم البرامج المطروحة، من قبيل سياسات الحد الأدنى للأجور، ومد مظلات الأمان الاجتماعى وتحسين الإنفاق على التعليم والصحة، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى السياسات ذات الطابع التوزيعى خاصة الضرائب التصاعدية. بخلاف ذلك، يحكم السياسات المطروحة لمحاربة الفقر وتحقيق التنمية بوجه عام منطقان متناقضان تقع معظم برامج المرشحين بالقرب من أحدهما. المنطق الأول يرى أن سياسات الاقتصاد الحر، التى اتبعها النظام السابق، ليست معيبة فى حد ذاتها، وبالتالى فإن عودة عجلة الإنتاج للدوران وضخ الاستثمارات والمشروعات الكبرى فى إطار من محاربة الفساد والإدارة الاقتصادية الرشيدة كفيلة بمحاربة الفقر دون الحاجة إلى تعديلات كبرى فى الفلسفة التنموية. وتطرح فى هذا الإطار مجموعة من السياسات ذات الطابع التصحيحى من «داخل الصندوق» والتى تستهدف الحد من الفقر ورفع المعاناة عن المواطنين مثل: الإعانات النقدية، ومد برامج الضمان الاجتماعى، واستهداف المناطق المحرومة والمهمشة من خلال حوافز الاستثمار ومد مشروعات البنية الأساسية. وينتمى لهذا الطرح بشكل ضمنى برنامج عمرو موسى، وبرنامج محمد مرسى -وإن احتوى على قدر أقل من التفصيل- بالإضافة إلى الأفكار الأساسية التى طرحها الفريق أحمد شفيق. أما المنطق الثانى الذى يحكم أفكار مكافحة الفقر، فيذهب إلى أن تحقيق معدلات النمو وحده غير كافٍ لمعالجة مشكلات الفقر، ومن ثم يرى ضرورة تبنى نسق جديد للتنمية وتناول اختلالات المسألة التوزيعية. وبينما تتبنى معظم البرامج، التى تنتمى لهذا الطرح، سياسات القاسم المشترك من ضرورة تقديم الدعم المالى للفئات المحرومة ومد شبكات الضمان الاجتماعى، والتركيز التنموى على المناطق الفقيرة والمهمشة، فإنها تقدم حزمة إضافية من الأفكار من «خارج الصندوق» تنتمى فى معظمها لمرشحى اليسار، والتى طرحها بشىء من التفصيل برنامجا كل من حمدين صباحى وخالد على، بالإضافة إلى برنامج أبوالفتوح، فى محورى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وتركز معظم الأفكار المطروحة على إعادة دور الدولة فى التنمية أو تبنى ما يمكن تسميته الاقتصاد التأشيرى الذى يمنع انحياز الدولة لطبقة أو فئة من مواطنيها، واستحداث أنماط للملكية التعاونية، بالإضافة إلى الاهتمام بالمسكوت عنهم فى الاقتصاد المصرى وهم فئة العمالة غير الرسمية والمؤقتة، مع بعض الاختلافات فى البرامج التفصيلية والأولويات المطروحة. ومن ثم يظل خط الانقسام الذى يميز سياسات محاربة الفقر محكوماً بالإجابة عن سؤال: هل نحتاج إلى عجلة إنتاج جديدة أم إلى إصلاح العجلة القديمة؟!