من "النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة.. أنا الحكومة" يبدو أن "أحمد السقا" كان صادقا "زيادة عن اللازم" وهو يؤدى هذا المشهد ويصرخ بهذه الجملة بكل قوته وجبروته.. فيبدو أنها الحقيقة. بالتأكيد ليست الحكومة السياسية هي المقصودة هنا، وإنما "الحكومة السينمائية"، فما فعله "السقا" هذا الموسم يؤكد ذلك، في ظل وجوده وسط معركة سينمائية قوية أبطالها يمتلكون من الاسم والجماهيرية ما يضمن لهم النجاح قبل نزول أفلامهم، إلا أن "السقا" فاجأ الجميع بقفزة خاطفة سيطر بها على شباك التذاكر، ليغرد منفردا تاركا منافسيه خلفه يتراجعون في "هروب اضطراري". الحقيقة أن عودة "السقا" بهذه القوة مكسب كبير للسينما وأمر مُبشر للمرحلة القادمة، خاصة أنه عاد لملعبه الذى امتلك به الجمهور وهو "الأكشن"، بعد أن تركه طواعية في السنوات السابقة من أجل تقديم تجارب "تمثيلية" بشكل أكبر، باحثاً عن متعة العمل وتقديم ألوان مختلفة، فمع اقتراب موسم العيد والذى تزدحم فيه دور العرض بعدد كبير من الأفلام، كان الجميع في حالة ترقب.. ماذا سيقدم "السقا"؟ وماذا سيفعل؟ وكان السؤال الحرج عن مدى استمرار قاعدته الجماهيرية في مواجهة نجوم أصبحت متواجدة بقوة ومثيرة للجدل، على رأسهم "محمد رمضان" الذى وضع نفسه منافسا ل "السقا"، بعد تقديمه عدة أعمال بها مشاهد مطاردات واشتباكات، واحتل قمة الإيرادات في السنوات القليلة الماضية، ويتم تقديمه دائماً على أنه "رقم1" و"الأسطورة"، نسبة إلى مسلسله الذى قدمه العام الماضي، رغم تحفظ أغلب المتابعين على مضمون أعماله. أثبت "السقا" أنه الفرس الرابح وفاز ب "تورتة" العيد منفردا، وأطاح ب "رمضان" الذى وصل للمركز الثالث بفيلمه "جواب اعتقال"، صادماً من توقع أنه سيربح السباق بجمهوره الشعبي الذى يركض خلفه منذ فيلم "الألماني" ثم "عبده موتة" و"قلب الأسد" وغيرهم.. وأعتقد أن الصدمة طالته هو شخصيا. • لماذا تفوق "السقا"؟ لأنه لعبها بذكاء.. فالسقا منذ فترة قرر أن يغير جلده، كما أيقن أن المرحلة لا تتحمل بطلا مطلقا منفردا، ومن يشاركوه يقومون ب "التخديم" عليه، فكان نضوجه مبكرا، فهو لا يخشى وجود أسماء كبيرة ولامعة معه، بل يقوم هو نفسه بالتخديم عليهم ليعطيهم المساحة الكافية للظهور وأخذ "سوكسيه" مناسب، ولكن ما فعله هذه المرة فاق كل التوقعات، فكان فيلمه مكتظا بأسماء كلها نجوم، وبمقاييس السوق كل نجم منهم "يشيل عمل لوحده"، ومنهم من هم أبطال بالفعل، وبما يتمتع به من ذكاء التقط "أمير كرارة" ليحصد الفيلم من نجاحه في مسلسه "كلبش"، وكأن القدر يكافئه بذلك، إضافة لكم كبير من النجوم كضيوف شرف هم في الأصل شركاء أصيلون في نجاح العمل. دون حرق الأحداث فإن إيقاع الفيلم متناسب مع إيقاع "السقا" نفسه، ومضمون الفيلم به كم كبير من الإثارة والتشويق - بغض النظر عن التيمة التي بُنى عليها، والتي تتشابه مع نفس التيمة التي قدمها في مسلسله الأخير "الحصان الأسود"، مع اختلاف المضمون والمعالجة- أضف إلى ذلك مخرج واعد له بصمة مختلفة سواء دراميا أو سينمائيا هو "أحمد خالد موسى"، فهو متميز في الإثارة والأكشن، ويبدو أنه سينافس ال "لسقا" ولكن إخراجيا. "الناس بتحب السقا في الأكشن والتنطيط".. هي الجملة المميزة التي تسمعها من معظم المشاهدين، وهو ما يؤكد أن أداء "السقا" الحركي هو نصف ثقله، وإذا غلفت كل ذلك بكاريزمته ستجد التوليفة الخاصة به.. ستجد "الشفرة" التى يفتح بها الأبواب المغلقة.. (شفرة السقا). • لماذا تراجع "رمضان"؟ لأنه ببساطة آمن أنه الأسطورة رقم "1"، وأن القمة أصبحت مسجلة باسمه على جميع المستويات "سينما، ودراما، ومسرح، وراديو، وأرض وجو وأنفاق"، حتى أنه في أحد اللقاءات التليفزيونية قال إن الأجيال القادمة ستسأل عن المسرح والفن في "زمن محمد رمضان"! "رمضان" ذكي وماهر في الترويج لنفسه، ووضع نفسه في مقدمة الصورة باستمرار، فهو "شاطر في البروباجندا" وهذا يحسب له، فقد استطاع صنع نفسه بنفسه، وذلك بصناعة بطل شعبى يمثل الطبقة المطحونة بكل سلبياته، لينقل لهم معاركهم وصراعاتهم على الشاشة، فانقضوا يمسكون ببطلهم وممثلهم وقاموا بتقليده في الشوارع والميادين، ما تسبب في العديد من المشاكل بل والحوادث، ولم يفطن "رمضان" لذلك واستمر في تقديم نفس النمط في شخصياته التي يقدمها، مستلذا بالإيرادات، وعندما اطمأن وقرر أن ينتقل رقم "1" للكوميديا عاد مسرعا للمضمون. في فيلمه الأخير "جواب اعتقال" راهن "رمضان" على نفس المنطقة وأن الجمهور سيزحف إلى دور العرض ليخرج غله من الإرهاب ويشاهد ويصفق، معتمدا في ذلك على المخرج "محمد سامي"، وهو في الحقيقة مخرج مبدع ومتميز في صناعة "حالة فنية" من أي عمل حتى وإن كان مضمونه ليس قويا، والجديد أنه اتجه للكتابة أيضا ليأخذ "المقاولة" من بابها، ولكن.. ماذا حدث؟ هناك مشكلة أساسية يجب على "رمضان" التخلص منها وهى "التعبير الواحد"، فتجده في كل أعماله بنفس التعبير ونفس ردود الأفعال، بل نفس طبقة الصوت التي يؤدى بها، والأخطر أنه بنفس الفكر، فقرر بكامل إرادته أن يكون أسير القالب الواحد، فبالرغم من كل ما يقدمه إلا إنه عند تجميعه ستكتشف أنك أمام نموذج واحد متكرر، وللأسف فإن المشاهد البسيط يربط بين شخصيته الحقيقية وبين ما يراه على الشاشة وهذه هي الخطورة. قد يدفعك المشهد لسؤال مهم وهو "هل نجاح "محمد رمضان في منطقة الأكشن كان بسبب غياب السقا؟" الأعمق.. أدوار الحركة لها عمر افتراضى.. فقوة ومجهود الممثل يختلفا مع تقدم العمر وهو ما فطن له "السقا" مبكرا، فهل ينتبه "رمضان" لذلك؟ الحقيقة أن "رمضان" يحتاج لتقديم عمل "صدمة" يغير به جلده تماما.. مغامرة محسوبة تُخرج منه طاقات يبخل بإظهارها.. يستفيد من شعبيته بنقلة كبيرة مفاجئة وهادفة مع الاقتناع أن المنافسة لم ولن تحسم أو تنتهي، ولن تقف عند الألقاب، فأكثر عمالقة الفن المصري تركوا بصمتهم دون ألقاب مثل "أحمد زكى، ونور الشريف، ومحمود يس، وعادل أدهم"، حتى اللقب الملتصق من عمل ما يجب أن يتناسب مع تاريخ الفنان ومشواره مثل "الزعيم عادل إمام" و"الساحر محمود عبدالعزيز".. فمن يزيد التركيز مع أسماء أعماله منذ أن أصبح بطلا سيكتشف ملاحظة مهمة وهى أنها كلها ألقاب وأسماء شخصية.. (سينما: الألمانى / عبده موتة / قلب الأسد / واحد صعيدى / آخر ديك فى مصر.. دراما : إبن حلال / الأسطورة ) عدا فيلمى شد أجزاء وجواب اعتقال. المتابع الآن يترقب.. هل يفعلها "رمضان" أم يترك نفسه لرأسه التي تديره فيلاقي مصير نجم كان بحجم "محمد سعد"؟ السينما صناعة، و"السقا" يجيدها باحتراف بحكم خبرة سنوات متراكمة، والدليل على ذلك أن فيلمه "هروب إاضطرارى" بتوقيع السبكي.. ولكن بجيل جديد قرر أن يقدم سينما مختلفة.. سينما حقيقية. إنها شفرة "السقا" التي فتكت بالأسطورة. أما "محمد رمضان" فسيظل "كارت رابح" إذا أعاد صياغة قدراته وفك قيوده. ولكن هذه المرة كان الكارت.. "حظ أوفر فى المرة القادمة".