وجه عتيق ترسمه تجاعيد العجز، شفتان مضمومتان بعدما فرّغ الزمنُ الفَمَ من الأسنان، ورأس اشتعل الشيب فيه.. لطالما أضحك «مدبولى» صاحب الوجه ملايين الجماهير، هو «الدكتور خشبة» الطبيب النفسى، الذى تفجّر كلماته نهر الضحك، هو الأب والجد المطحون والمعجون فى الواقعية فى فيلم «الحفيد»، وهو «العربجى» الذى دهسته عجلة التكنولوجيا المادية وسحقته الوحدة فى «مولد يا دنيا». هو المواطن المقهور من قبل الطغمة البوليسية الحاكمة، حاكى بتمثيله الواقعى بؤس ما كان يلقاه السجناء السياسيون فى حقبة الستينات، فى فيلمه الشهير «إحنا بتوع الأتوبيس». فبعدما أُلقى القبض على عبدالمنعم مدبولى «مرزوق» وعادل إمام «جابر» عن طريق الخطأ، اتهمهما البوليس بمحاولة قلب نظام الحكم، فى تحول درامى دفع بهما إلى المعتقل السياسى. وبأوامر من الضابط المتسلط يجثو «مرزوق» الموظف الخمسينى، على ركبتيه وهو موثوق بحبل مفتول خشن يسحبه منه أحد المخبرين. بينما ينبح مدبولى لإرضاء الضابط العابث. التفت الأسرة كلها حول الشاشة، بعد إفطارهم الرمضانى، اتسعت حدقاتهم مع بدء الموسيقى. حفظوا اسم المسلسل الذى يردد بطله فى بداية تتر المقدمة: «أبنائى الأعزاء.. شكراً»، لعب مدبولى دور «بابا عبده» الموظف الذى يسعى لحل مشكلات أبنائه، رغم ما يلقاه على أيديهم من عنت. وارتبط اسم «بابا عبده» لدى المشاهدين ببطل المسلسل الذى كشف بدوره عن قدراته فى الدمج بين التراجيديا والكوميديا. ومن ثم ظهور وجه بطل المسلسل الخمسينى، عبدالمنعم مدبولى يفتتح تتر المقدمة، بعبارة تحمل اسم المسلسل «أبنائى الأعزاء شكراً»؛ كشف المسلسل عن وجه أكثر عمقاً لعبدالمنعم مدبولى، الذى جسد شخصية الأستاذ عبدالحميد، فاقترن لدى الجمهور بتلك الشخصية وصار لقبه من حينها «بابا عبده». ولد الكوميدى الراحل عبدالمنعم مدبولى، فى أسرة بحى باب الشعرية، مارس 1921، ودرس بالمعهد العالى لفن التمثيل العربى، وتنقل من بعد تخرجه فى عدد من الفرق المسرحية، أمثال فرقة جورج أبيض، وفرقة فاطمة رشدى، وشارك فى بداية حياته الفنية فى برنامج «ساعة لقلبك» مع «الأستاذ» فؤاد المهندس، وأمين الهنيدى ومحمد عوض وخيرية أحمد وغيرهم. شكل مدبولى مع الفنانين فؤاد المهندس وشويكار ثلاثياً كوميدياً، نفذ أعمالاً سينمائية منها «ربع دستة أشرار» و«عالم مضحك جداً»، و«مطاردة غرامية»، إضافة إلى الأعمال المسرحية التى تشارك فيها مدبولى مع المهندس ومنها «السكرتير الفنى»، تتلمذ مدبولى على يد أباطرة المسرح، أبرزهم زكى طليمات، وتتلمذ على يد مدبولى كثيرون من الكوميديان المصريين، منهم عادل إمام وسعيد صالح ومحمد صبحى. تعددت مواهب وخبرات «بابا عبده»، فلم يكن مقتصراً على التمثيل السينمائى والمسرحى وإنما شارك فى أعمال كثيرة بالتأليف والإخراج، كما فى مسرحيات «المغناطيس» و«الناس اللى تحت» و«ريا وسكينة». ورائعتى نجيب محفوظ «زقاق المدق» و«بين القصرين»، تركة سينمائية ومسرحية ودرامية أورثها قبل وفاته فى يوليو 2006.