وكأن أحدهم قد استمع أخيراً لما قلته وقاله كثيرون من أساتذتى قبلى، عن حتمية وجود رؤية ما لأى دولة تقيها شر التخبط فى الظلام. فالرؤية هى: الطموح والرغبة والتصور المستقبلى الذى تعمل من أجله الدولة، وهى توضح الاتجاه، وبناء عليها يتم اتخاذ القرارات عبر تقييم العوائد والخسائر وترتيب الأولويات. يتم كل هذا وفق مبادئ التخطيط الاستراتيجى التى تجيب عن أسئلة: ماذا نفعل؟ ولمن؟ وكيف؟ رؤية «مصر 2030»، كما أُعلن عنها، تتكون من عشرة محاور هى دون ترتيب: العدالة الاجتماعية.. التعليم والتدريب.. التنمية الاقتصادية.. التنمية العمرانية.. الشفافية والكفاءة.. المعرفة والابتكار.. الصحة.. الثقافة.. البيئة.. الطاقة. ما يهمنى فى الرؤية هو محور التعليم، الذى أظنه هو الأهم على الإطلاق، وهو سر تقدم بلدان عديدة مثل «اليابان»و«سنغافورة» وغيرهما.. وبعيداً تماماً عن «ابتكارات» السيد وزير التربية والتعليم الحالى، ونظامه المزعوم الجديد.. تستهدف رؤية «مصر 2030»، فى محور التعليم إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز فى إطار نظام مؤسسى، وكفء وعادل، ومستدام، ومرن، يرتكز على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير، والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً، وأن يساهم أيضاً فى بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير، ومبدع، ومسئول، وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف، وفخور بتاريخ بلاده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية. ولمحور التعليم أهداف استراتيجية عامة هى: أولاً: تحسين جودة نظام التعليم بما يتوافق مع النظم العالمية.. وثانياً: تحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم.. وثالثاً: إتاحة التعليم للجميع دون تمييز.. ولكل هدف هناك آليات عمل جيدة، وفيما يخص الهدف الثالث، هدف تعميم الإتاحة، نجد أن آلياته تختلف بحسب المرحلة المستهدفة، والمراحل هى: مرحلة التعليم العام الأساسى (ما قبل الجامعى)، ومرحلة التعليم الفنى والتدريب، ومرحلة التعليم الجامعى.. ولعل أول مرحلة هى الأخطر، فى تقديرى، وقد وضعت لها رؤية «مصر 2030» عدداً من الآليات منها: تحجيم ظاهرة التسرب فى مراحل التعليم المختلفة.. توفير خدمة تعليمية متميّزة موجّهة للمناطق المحرومة والأكثر احتياجاً.. توفير بيئة شاملة داعمة لدمج ذوى الإعاقة البسيطة بمدارس التعليم قبل الجامعى وتطوير جودة مدارس التربية الخاصة بالمتعلمين ذوى الإعاقة الحادة والمتعدّدة.. وتوفير الاحتياجات الدراسية اللازمة لكل مرحلة تعليمية بما يُراعى التفاوت فى الاحتياج على المستوى المحلى (مستوى المديريات والإدارات التعليمية).. وتزويد المتعلمين الموهوبين والفائقين بتعليم عالٍ فى جودته النوعية فى مجالات المعرفة والمهارات المتقدّمة بجميع مراحل التعليم قبل الجامعى. الدولة بدون رؤية تُصبح عمياء.. ورؤية «مصر 2030» جيدة، قد تحتاج لبعض التعديلات أو الإضافات فى بعض جوانبها، لكنها بشكل عام قد تجنبنا التيه فى غياهب الارتجال وتطبيق نظريات «رزق يوم بيوم» و«اللى يحب النبى يزق».. لكن الأزمة المصرية الأبدية أن «الكلام موسى والفعل فرعون»، وعليه نأمل ونرجو ونتمنى أن تكون رؤية «مصر 2030» قابلة للتحقيق الدقيق على أرض الواقع. لأن هذا الوطن يستحق الأفضل.