عم صيام يزورنا كل يوم فى نهار رمضان، يفرح بكل الأصدقاء الصائمين، يتجول معهم من عصر لعصر، ومن مكان لمكان.. نطوف معه لنتعرف على شخصيات وحكايات حدثت فى زمن مضى وفات.. واليوم يأخذنا عم صيام للعصر العباسى الأول لنتعرف على أشهر الأدباء وأظرفهم فى ذلك الزمان.. ■ هل يمكن أن يصبح القط والفأر صديقين فى يوم من الأيام فتأكل القطط ثمار البطيخ بدلاً من الفئران؟ سؤال لن تجد إجابته يا صديقى ضمن أحداث مغامرات توم وجيرى الشهيرة، وإنما ستجد إجابته فى أحداث القصة الطريفة التى نعيش معها فى رحلتنا للعصر العباسى التى يحكيها لنا اليوم، عم صيام.. ■ هل يمكن أن تساوى ابتسامة أو ضحكة ألف دينار؟ سؤال لن تجدى إجابته صديقتى عند مشاهدتك لفيلم كوميدى، وإنما ستضحكين وتندهشين من قصة هذه الابتسامة التى تطل من بين صفحات كتاب «البخلاء»، ويحكى لنا قصتها عم صيام لنتعرف معه على صاحب كتاب البخلاء الأديب والكاتب الساخر أبوعثمان عمرو بن بحر الذى عاش فى العصر العباسى الأول ولجحوظ عينيه لقب ب«الجاحظ». فماذا قال الجاحظ فى كتابه البخلاء عن القط الذى ترك الفأر وأكل البطيخ؟ وهى إحدى الحكايات الطريفة التى تصف سلوك البخلاء.. كان رجل وجاره يتجولان فى السوق، ولشدة حرارة الجو، اشترى الرجل بطيخة وبعد فترة من السير شعر بالتعب فحمل عنه جاره البطيخة وقال له: استرح أنت يا صديقى تحت ظل هذه الشجرة وسأعود أنا للمنزل ومعى البطيخة وأنتظرك. وبعد فترة، وصل الرجل عند جاره ليجد البطيخة ناقصة وهنا قال جاره: معذرة يا صديقى، لقد أكل القط قطعة من البطيخة. تعجب الرجل وقال: القطط لا تأكل البطيخ، وإنما تأكل الفئران، ضحك الرجل وقال: القطط الآن أصبحت صديقة الفئران فتركتها وصارت تأكل البطيخ بدلاً منها. أخذ الرجل البطيخة وخرج، وفى الطريق وجد قطاً فوضع أمامه البطيخة، ولكنه بالطبع لم يأكلها. عاد الرجل لجاره وقال له ساخراً: الآن عادت ثقتى فى القطط، بقى أن تعود ثقتى فيك يا جارى العزيز، ارتبك الجار وقال: لا بد أن القط كان شبعاناً. فقال الرجل: أو ربما لا يأكل القط البطيخ إلا إذا كان سليماً، لذلك لتثبت لى صدق كلامك تعال معى إلى السوق واشتر بطيخة جديدة وسنرى ماذا سيفعل القط.. هنا اعترف الجار البخيل بأنه هو الذى أكل الجزء الناقص من البطيخة واضطر مجبراً أن يشترى بطيخة جديدة لجاره. حكاية اليوم عن كتاب البخلاء الذى تطل من صفحاته روح مؤلفه الساخر الأديب العربى الجاحظ، الذى تأمل البخلاء وأحوالهم فى عصره وجمع أخبارهم وغاص فى نفوسهم وطباعهم، وكرسام الكاريكاتير فى عصرنا الحاضر رسم الجاحظ فى كتابه لوحة ساخرة بالكلمات للبخلاء الذين يفتقدون معنى العطاء فيبخلون ليس فقط بالمال وإنما فى الإحساس بمشاعر الآخرين. وها هو يحكى فى كتاب البخلاء قصة التاجر جعفر بن يحيى الذى ذهب لزيارة الأصمعى لما سمعه عن ثرائه وبراعته فى التجارة. ولذكاء التاجر جعفر اصطحب معه غلاماً يعمل عنده وأعطاه كيساً به ألف دينار وقال له: انظر إلى وجهى فإذا رأيتنى أضحك أو حتى أبتسم، ضع الكيس بين يدى الأصمعى وإذا لم أفعل احتفظ بالكيس معك. دخل جعفر والغلام عند الأصمعى فوجداه يرتدى ملابس قديمة ممزقة، ووجدا بيته فى أسوأ حال فأدركا أنه أمام إنسان بخيل، رأى الأصمعى الكيس فى يد الغلام وأدرك حيلة جعفر فأخذ يقص عليه نوادر طريفة لعله يضحك، لكن جعفر لم يبتسم وانصرف وفقد الأصمعى الألف دينار وفرصة لتجارة رابحة بسبب بخله. كتاب البخلاء له أهمية علمية وليست اجتماعية فقط، فهو يشرح خفايا النفس البشرية فى أسلوب سهل لكنه عميق فى نفس الوقت بعبارات بسيطة شديدة التأثير، فإذا كان الأديب الفرنسى «موليير» كتب مسرحيته الشهيرة عن شخصية البخيل عام 1668م، فقد سبقه أديبنا العربى الجاحظ فى كتابه الممتع البخلاء؛ ذلك الصديق الذى يجمع بين أوراقه المتعة والفكاهة والمغامرة والحكمة التى عشنا بعض فصولها مع حكاية عم صيام، وأضاء لنا الطريق إليها فانوس رمضان. كتاب البخلاء كُتب فى العصر العباسى، لكنه يصلح لكل الأزمنة والعصور، فهو ينبض بحياة بشر يعيشون بين صفحاته.. أدعوك صديقى وأنتِ صديقتى أن تستمتعا بقراءته.