سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو| مائدة "سيدة" الرمضانية تحتفظ بطابعها السوداني ب"العصيدة" و"حلو مر" رغم الرحيل عن بلادها منذ 20 عامًا إلا أن "سيدة" حريصة على الاحتفاظ بعاداتها
تجلس على مقعدها الوثير، يلتف جسدها ب"التوب السوداني"، ذي الألون الزاهية، فهي مازالت تحتفظ بزي المرأة هناك، رغم السنوات الطويلة التي قضتها بالقاهرة. في منزل يجمع مظاهر الحياة المدنية المطرفة، بمدينة حلوان، جنوبالقاهرة، تتذكر "سيدة آدم" حين كان والدها يقبض على أصابعها الصغيرة خلال رحلة أسرتها من قريتها الصغيرة الريفية بوسط السودان إلى القرية المجاروة المسماه ب"الماكشفية"، حيث تقطن إحدى الطرق الصوفية، حيث اعتادت أسرتها، أن تطرب مسامعها بالموالد وذكر الرسول طوال ليالي رمضان، التي تنشدها تلك الطرق الصوفية طوال الشهر الكريم. 20 عامًا تفصل "سيدة" عن الرحيل عن بلادها في السودان، إلى جانب زوجها، الذي أجبرته ظروف عمله بالتجارة للاستيطان في القاهرة، وتركت محافظتها بشمال السودان "الجزيزة"، التي يشتهر أهلها بالعمل في الصناعة والزراعة، ورغم ما مر من أعوام، مازلت تحافظ على عاداتها الرمضاينة، وتُزاوج بينها وبين تقاليد المصريين، فلا تخلو مائدة "سيدة" الرمضانية من "العصيدة" و"الأبريه" أحد أهم الأطباق الرئيسية على المائدة السودانية، وفي نفس الوقت تحتل أطباق "القطايف" والحلويات جانبا من مائدتها. مازالت سيدة تتذكر لحظات ما قبل الإفطار، حين كان يكتظ الباب السري بين منزل "سيدة" الطيني والبيت المجاور بالمارين من نساء القرية، للتجمع حول مائدة إفطار واحدة، وهي تجلس إلى جانب والدتها على الحصير، وتقبل عليهما نساء من كل مكان، حين كانت تسمع في طفولتها طلقات مدفع رمضان، فتسرع إلى شرفة منزلها، لتشاهد والدها ورجال القرية يفترشون مائدة كبرى أمام المنازل، ليجتمع حولها رجال الحي، والمارة وعابري السبيل، فيما يشبه"موائد الرحمن"، فالقرية تهتم بالتواصل الاجتماعي بشكل أكبر من المدينة، وتؤكد "سيدة" أن سكان المدينة يسعون بعد الإفطار لقضاء الليالي الرمضانية في المنتزهات، في حين يجتمع أهل القرية في المساجد، ويلتف أهل الحي الواحد حول "التليفزيون" وبخاصة البرامج المصرية. بلهجتها الإفريقية، تتحدث "سيدة" ل"الوطن"، والتي تنتمي إلى قرية "المناقم" الريفية، والمتزوجه من "آدم" ابن أقليم دارفور "غرب السودان"، عن المائدة السودانية في رمضان، وما لها من مواصفات خاصة، يميل فيها المزاج السوداني دائما للمذاق "الحادق" و"المالح"، ويعتمد على القمح بشكل أساسي، واللحوم، إلى جوار مشروب "حلو مر" الذي لا تخلو منه أي مائدة سودانية. تعودت سيدة منذ صغرها في السودان على تحضير "حلو مر" إلى جوار نساء الحي، قبل رمضان بثلاثة أشهر، فالتحضير للمائدة الرمضاينة في السودان يستغرق شهورًا قبل حلول الشهر الكريم. يقوم "حلو مر"على نقع كمية كبيرة من الحبوب "الذرة العويجة"، في مادة لعدة أيام، ثم تخمر مع القرفة والحبهان "من التوابل السودانية المشهورة"ويستمر العمل عليه لمدة ثلاثة أيام وتأخذ كل أسرة ما يكفيها، ثم تقوم النساء، بالتجهيز لما يكفي الأسرة التي تليها على ترتيب المنازل بالحي، حسب حديث "سيدة". "حلو مر" لا تخلو المائدة السودانية في رمضان منه، ويجفف بعد خلطه بالحبهان من خلال نشره في منطقة معرضة للشمس بشكل قوي، حتي يختمر، ويخبز كالعيش، ويطحن ليكون جاهزا، للنقع بالماء قبل موعد الأفطار بثلاث ساعات على الأقل. تبدأ سيدة ونساء قريتها الريفية، بعد الانتهاء من تحضير "حلو مر" في تجفيف ما يكفيها من الأطعمة لتكون جاهزة، لعمل الوجبات السودانية، وأشهرها العصيدة، والتي تقوم على الدقيق أيضا، إلى جوار "البامية الجافة" والمسماه في مصر ب"الويكه". "الشيه" هو المسمى الذي تشتهر به اللحوم المجفف التي تجهز للشواء قبل رمضان، لتكون أحد الأطباق الرئيسية على المائدة الرمضانية السودانية، وتؤكد "سيدة" أن السودانين يعشقون اللحوم، حيث تجفف بجانب قطع من البصل بالإضافة للطماطم المجففة، ليتم تناولها إلى جانب العصيدة. مازالت "سيده" تبدأ يومها في رمضان، من الساعة الثالثة للتحضير لوجبة الإفطار، من خلال نقع "حلو مر"، وتحضير "الحمص"، والذي يعد أهم المقبلات على المائدة الرمضاينة، ولا تهتم كل الأسر السودانية بالحلويات، فالطعام السوداني لا يميل للسكريات، وبعد الإفطار تحضر "سيدة" طبق الحلو الوحيد، الذي يميل لها المزاج السوداني، وهي"النشا"، وتقوم بتحضيره من خلال الدقيق، حيث يطحن الدقيق ويخمر، ويصفى لاستخلاص "النشا" منه ليوضع على النار، ويخلط عليه الحبهان، والقرفة، والغربال، ويظهر في شكل شبيه للمهلبية في مصر، ولكن خفيق يتناول كشراب، أو كطعام، ويكون دافئ وحادق. وعند مرور دقاق الطبول، وهو المعروف بالمسحراتي في مصر، تلتف الأسرة السودانية، بعد عودتها من ليالي المديح النبوي حول "الرقاق" باللبن، وبعض الأسر قد تتناوله بجانب اللحوم. إلى جوار سيدة تجلس "إسلام" ابنتها الكبرى، والتي عمرها من مدة الرحيل عن السودان، عشرون عاما حرمت فيه "إسلام" من دفء عادات السودان، لكن زياراتها المتكررة، أعطتها خلفية جيدة، علاوة على محاولاتها المستمرة بالاحتكاك مع الجالية بالقاهرة، في محاولة لمعايشة الحياة السودانية في رمضان، من خلال التجمعات الشبابية التي تقوم بها بمقرات الجالية في الشهر الكريم. تعمل "إسلام" الفتاة العشرينية، ومجموعة من الشباب السوداني في القاهرة، على جمع الأموال وشنط الزكاة لمساعدة الأسر السودانية الفقيرة في القاهرة، وتحاول أن تجمع شباب الجالية في رمضان في فعاليات لتعايشة الأجواء السودانية هناك.