الساعات القليلة المقبلة سوف تشهد تسليم المجلس العسكرى السلطة لرئيس منتخب دون صلاحيات، ويبقى «العسكرى» متحكما فى التشريع وإصدار القوانين، بينما تعود دباباته ومدرعاته ومعها جنوده إلى ثكناتهم، معلنا سحب قواته من االشارع بعد 18 شهرا انتشرت فيها هذه القوات على فترات متقطعة فى جميع محافظات مصر المختلفة ووجدت بصورة دائمة فى المناطق والأماكن الحساسة والمهمة لتأمينها. يأتى هذا الانسحاب فى ظل تبعات الانفلات الأمنى التى ما زالت تلقى بظلالها الكئيبة على الشارع المصرى رغم مرور عام ونيف على أحداث الثورة، ولم تسترد الداخلية عافيتها التى تمكنها من فرض سيطرتها على الشارع المصرى وتحقيق الأمن المنشود سواء برغبة بعض قياداتها أو بسبب ما أصابها ولم تتعافَ منه بشكل كامل، ورغم وجودها الجزئى فى الشارع خلال الشهور القليلة الماضية ونجاحها فى القبض على بعض العناصر الإجرامية لكن ذلك كان يتم بمساعدة قوات الشرطة العسكرية، ولكن فى ظل الفراغ الأمنى الناتج عن انسحاب قوات الجيش المكلفة بحماية المنشأة العامة، يعطى الفرصة إلى عودة ظاهرة الانفلات الأمنى من جديد واستغلال بعض عناصر الثورة المضادة التى تنشط فى الخفاء لهذا الفراغ الذى بدأ بالفعل من خلال ملاحقة ومطاردة البنات والسيدات فى الشوارع والاعتداء عليهن ومطالبتهن بارتداء الحجاب وكذلك مطالبة الرجال بإطلاق اللحى وهو ما تبرأت منه جميع التيارات الإسلامية بتوجهاتها المختلفة. وربما يتطور الأمر خاصة بعد رفع الحواجز الأسمنتة والحديدية من أمام بعض السفارات إلى محاولات الاعتداء عليها، وهو ما دفع اللواء عبدالمنعم كاطو الخبير الاستراتيجى ومستشار إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، إلى تأكيد أن الجيش لن يسمح بتهديد أمن الشعب المصرى ولن يتهاون فى تأمينه، موضحا أنه من حق رئيس الجمهورية الاستعانة بالقوات المسلحة عند الحاجة إليها لفرض الأمن فى الشارع، مضيفا أن انسحاب القوات المسلحة من الشارع سوف يتم بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وإذا كان هناك ضرورة تقتضى وجودها فى بعض الأماكن الحساسة لن تتأخر عن هذه المهمة، ويؤكد كاطو أن القوات المسلحة سوف تنسحب من الشارع بمجرد تسليم السلطة لسببين أولهما لرغبة القوات المسلحة فى إعادة وتعزيز المهارات والكفاءة القتالية لجنودها، والسبب الثانى رغم الانسحاب وتسليم السلطة لن تتهاون القوات المسلحة فى تأمين الشعب المصرى وفقا للإعلان الدستورى. ويحذر كاطو من استمرار المظاهرات رغم تسليم السلطة فى موعدها، وانعكاسها على الحالة الأمنية فى الشارع المصرى، واصفا المظاهرات الحالية فى التحرير بالفوضى، مطالبا الجميع باحترام القانون، بينما يرى اللواء طلعت أبومسلم الخبير الاستراتيجى أن تسليم السلطة من المجلس العسكرى إلى الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى، سيؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار، مؤكدا احتمالات حدوث انفلات أمنى فى الشارع المصرى سواء على المستوى السياسى أو الجنائى، مبررا ذلك بضعف الجهاز الشرطى الذى كان تسانده قوات الجيش فى الشارع، موضحا أن المجلس العسكرى حاول التغلب على هذه الثغرة بقانون الضبطية القضائية الذى تم إلغاؤه، مؤكدا ضرورة التسليم بأن وزارة الداخلية لم تستعِدْ قوتها وسيطرتها على الشارع. من جهه أخرى يؤكد اللواء محمد عبدالفتاح عمر، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب الأسبق، أن الشرطة لا بد أن تمارس دورها وهى قادرة على حماية الأمن الداخلى بمساعدة المواطنين، موضحا أن الشرطة حققت إنجازات فى الشهور الماضية لا يمكن إنكارها، ومن الطبيعى أن تتولى المهام التى أنشئت من أجلها، مؤكدا أنه ليس من المعقول أن يتفرغ الجيش أو الشرطة العسكرية لحماية الأمن الداخلى على حساب المخاطر الخارجية، بالإضافة إلى قدرة الشرطة على التعامل مع البلطجية والمسجلين خطر ومعرفة أوكارهم التى يختبئون فيها، موضحا أن الرئيس المنتخب تعهد بتعزيز دور الشرطة من أجل القضاء على البلطجية وفقا للقانون. ويطالب اللواء فاروق حمدان مساعد وزير الداخلية الأسبق بضرورة تضافر الجهود بين رجال الشرطة الذين ينفذون القانون والمواطنين الذين يلتزمون بالقانون، حتى تسود دولة القانون، مؤكدا ضرورة أن يتفرغ الجيش لمهامه الأمنية، خاصة بعد وجود رئيس جمهورية منتخب بإرادة شعبية وتوافق عليه نصف المجتمع، ويحظى بتأييد بعض القوى الثورية والوطنية، وينتمى إلى حزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان المسلمين التى تعمل فى إطار منظومة تتمتع بدرجة عالية من التنظيم، ولذلك يجب عليها المساهمة فى عودة الشرطة ومساعدتها فى فرض القانون ليس من خلال لجان شعبية ولكن عن طريق توعية أقاربهم وذويهم باحترام القانون، وترويج هذه القوى لدولة القانون، وهو ما يجب أن نحرص عليه جميعا ونلتزم بتعليماته، حتى لا يعود العسكر الذى يطالبه الجميع الآن بتسليم السلطة مرة أخرى، فكما نقول «التحرير موجود» أيضا «الجيش موجود». ويؤكد حمدان «أن جهاز الشرطة فعال وقادر على ضبط الأمن وفرض سيطرته على الشارع، وهو ما ظهر خلال الشهور الستة الماضية فى ضبط منظومة الأمن واختراق الكثير من البؤر الإجرامية التى تخصصت فى سرقة السيارات والسلاح والمخدرات، والتدخل فى حل الكثير من الصراعات الثأرية والعمل على ضبط الخارجين على القانون».