ربما تكون الفرحة أو الصدمة هى التى أودت بحياته، رحل الرجل بعد ساعات من لقائه رئيس الجمهورية المنتخب د. محمد مرسى، رحل ومعه سره وكواليس اللقاء الذى تم فى القصر الجمهورى أمس الأول، أصيب والد الشهيد ياسر شعيب -أحد شهداء ثورة 25 يناير- بأزمة قلبية أثناء عودته من القاهرة -حيث لقائه بالرئيس- إلى مدينته دمياط، رحل الرجل دون أن يروى انطباعه عن المقابلة، هل شعر أنه سلم الأمانة إلى رجل سيتحملها فرحل مطمئنا، أم أنه شعر بإحباط وألم أودى بحياته؟ الترقب والإشفاق والاعتبار مما حدث لمبارك مشاعر رئيسية سيطرت على المصابين وأسر الشهداء التى قابلت الدكتور محمد مرسى فى قصر الرئاسة، وكان الانطباع الرئيسى لدى أكثرهم بعد اللقاء «عادى.. يا رب يصدق ويكملها على خير».. كانت تلك هى المرة الأولى التى يدخل فيها على حسن، والد الشهيد مهاب حسن، إلى قصر الرئاسة، يقول: حين خطوت بقدمى داخله وجدتنى أردد: «(يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شىء قدير) سجين أصبح رئيسا، ورئيس أصبح سجينا، كل بأفعاله، بعد المعاملة الطيبة والترحيب، لم ألحظ أمنا ولا بهرجة فى التعامل، المكان ليس مقبضا ولا مرعبا كما كان فى عهد مبارك» «صعبان علىَّ فعلا، ماحستش إنى قدام رئيس جمهورية له هالة مخيفة، مش مخضوض منه، كنت بسلم عليه وحاسس إنى أقوى منه، ماعنديش المشاكل اللى عنده، مشكلتى فى بلدى وولدى، عاوز حقوق الاتنين، أما هو فعنده مشاكلى ومشاكل الكل، ده الأصعب».. هكذا شعر والد مهاب، الذى استطاع أن يحلل شخصية مرسى من خلال اللقاء، يقول: «شخصيته طيبة، لكن ليس لديه تركيز، مش عاوز أتفاءل ولا أتشاءم، فيه عقبات كبيرة فى طريقه، صلاحيات المجلس العسكرى، وانتماؤه للإخوان يجعلان عليه ضغوط من كل الاتجاهات، مهما قال إنه قد انفصل عن الإخوان فهو فى كل الأحوال ينتمى لهم، وهيكون لها صوت، حتى لو من خلال التليفون، أو الغرف المغلقة، والله أعلم سيكون ذلك لصالح الدولة أو لا، الراجل ليس له صلاحيات كاملة، والإعلان الدستورى عاكك الدنيا، والمجلس العسكرى مصمم على الإدارة». «أما أشوف أفعال هاكوّن رأى، هو سمع مننا كلنا، لكن اتكلم قليل جدا».. هكذا خرجت ميرى دانيال، شقيقة الشهيد مينا دانيال، من اللقاء فى حالة ترقب لنتيجته، تقول: «ماحستش بحاجة وأنا داخلة، يمكن عشان المخاطر اللى مرينا بيها، وفقدنا للناس الغالية مابقاش حاجة تفرق، قصر جمهورى ولا مش قصر، ماعدش فيه إحساس بالهيبة لأى حاجة أو أى حد، حتى لو كان مين». اشتركت ميرى فى تحليلها لشخصية الدكتور مرسى مع الآخرين، تقول: «هو شخصية طيبة جدا، وغلبان، ماحستش برهبة من وجودنا معاه، رئيس جمهورية جاى بعد ثورة ودم، والكلام اللى بنقوله ياما قلناه، هو سمع مننا كلنا، كان نفسى آخد منه وعد واضح بتحقيق المطالب، لكن زى ما دخلت زى ما خرجت، عادى، هو وعدنا إن دى مش آخر مرة، وهيكون لينا لقاءات تانية، وهنشوف». اشتركت السيدة ليلى مرزوق، والدة الشهيد خالد سعيد، فى انطباعها مع ميرى، تقول: «هو عايز يعمل حاجة، بس العواطف والكلام الحلو كتير، كل ده كويس، لكننا مستنيين التنفيذ والفعل، ياما عملنا مقابلات كتير، وإيه اللى حصل؟ الدكتور مرسى ماتكلمش كتير، كل اللى قاله إن شاء الله هنفّذ مطالبكم، وهبص فيها كلها، وكان أول طلب طلبته خروج المعتقلين، وهو وعد بإنه هيعمل اللى طلبناه.. أفلح إن صدق». «شتان بين هذا وذاك».. هكذا علق على الجنيدى، المتحدث باسم أهالى شهداء السويس، على لقائه رئيس الجمهورية محمد مرسى مقارنا بينه وبين مبارك، يقول: «بمجرد دخول القصر الرئاسى قفز إلى ذهنى زيارتان سابقتان قمت بهما إلى القصر نفسه، كرَّمونا، وحسيت من كلامى معاه إنه إنسان صادق، بيحب مصر وبيحب شعب مصر، مش ثناء عليه كرئيس دولة، الراجل ماتكلمش كرئيس، لكن كراجل عادى وبسيط بيتمنى زينا الخير للكل». يتذكر المرة التى تلقى فيها تهديدا داخل القصر نفسه، حين بعث ببرقية إلى الرئيس السابق مبارك يقول له فيها: «الأمانة ضاعت والضمير مات» عام 2000، فإذا باللواء إبراهيم بدران، مدير العلاقات العامة السابق بالرئاسة، يستدعيه ويعنفه قائلا: إزاى تبعت تلغراف زى ده للريس؟ ماحنا عارفين إن فيه فساد، اركن المستندات بتاعتك على جنب، ودى أول وآخر مرة تعمل كده، يلا امشى وماتعملش كده تانى. التزام مرسى بالموعد، ومقابلته الحسنة، ذكَّرا الجنيدى بالزيارة الأولى له داخل القصر نفسه، حين كان على موعد مع الرئيس السابق عام 1987، بشأن عمله مع إحدى الشركات الأمريكية، وجاء مع زملائه حسب الموعد، فإذا بالموجودين فى القصر يقولون إن الرئيس ألغى الموعد، وسافر فجأة إلى إثيوبيا، يقول: هذه المرة دخلت القصر فإذا بالرئيس الجديد يستقبلنا ويقول لنا أنا تحت أمركم، ويعطى تعليماته للدكتور حسنى صابر، الأمين العام للمجلس القومى لرعاية أسر الشهداء ومصابى الثورة، بأن «كل طلبات المصابين وأسر الشهداء يتم تنفيذها فورا دون أى معوقات».
