«إن الشعب اليهودى مرتبط منذ القدم بمدينة القدس، وهذا الارتباط أبدى ولا يمكن أن يتزعزع».. جملة تلخص الرسالة التى أراد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب توصيلها للإسرائيليين شعباً وحكومة، وهى بمثابة رسالة طمأنة مفادها أننى إلى جانبكم وسأظل وفياً للعهد داعماً لدولة إسرائيل فى وجه التحديات وتعزيز التحالف مع الولاياتالمتحدة مستشهداً بالزيارة التى قام بها إلى حائط البراق، واعداً أن بلاده ستظل إلى جانب إسرائيل دوماً! لقد بددت هذه الكلمات قلق إسرائيل من تغير قد يطرأ على وعود ترامب خاصة بعد حفاوة الاستقبال الذى حظى به فى السعودية ولم تترك أى أثر لغضب ولو رمزى عندما وصم حركة حماس بالإرهاب فى وجود الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الأمر الذى أثار غضب الفلسطينيين واستياءهم، فحماس جزء أصيل من الشعب الفلسطينى وفصيل ينتمى لروح المقاومة ما يعنى بالضرورة أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلى أياً كان التوجه هو إرهاب يجب التعامل معه من هذا المنظور، وما يعنى أيضاً أن مقاومة المحتل الإسرائيلى يدخل فى خندق الإرهاب وليس المقاومة وشتان بين الأمرين. غضب الشعب الفلسطينى بكل أطيافه وفصائله السياسية من نعت حركة حماس بالإرهارب، وخرج فى مسيرات ومظاهرات رافضة لزيارة ترامب للأراضى المحتلة ودشنوا هاشتاج [#حماس-مش-إرهاب]، فى إشارة إلى رفض الفلسطينيين أن تصنف مقاومتهم العادلة للمحتل على أنها إرهاب، فحماس هى حركة مقاومة فى وجه الاحتلال حتى لو اختلف معها عموم الفلسطينيين فى الفكر والأيديولوجيا، حركة حماس تقاوم الاحتلال مثلها مثل باقى فصائل المقاومة الفلسطينية ووصفها كحركة إرهابية فى مؤتمر إسلامى عربى وفى وجود رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يفقد المقاومة وهجها ويعزز ادعاءات إسرائيل بأن الفلسطينيين إرهابيون طالما ينفذون عمليات مقاومة ضد الإسرائيليين، وهو أمر فى غاية الخطورة إذا ما كرس هذا المفهوم وبدأ التعامل مع الفلسطينيين من منطلقه. يتحدث ترامب عن عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل بحماس بالغ ويبدى استعداده لأن يكون جسر السلام بين الطرفين، وهو يعلم أن السلام الذى تريده إسرائيل ليس سلاماً بل استسلام فلسطينى لإرادة إسرائيل وانصياعاً لشروطها المجحفة التى لا تقوم على الحل العادل لقضية الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدسالشرقية، يتحدث ترامب عن دعمه للجانبين فى أى حل يتوصلان إليه وفى ذات الوقت يؤكد مسبقاً على عمق الارتباط التاريخى للشعب اليهودى بمدينة القدس، لكنه يتجاهل أهمية المدينة المقدسة بالنسبة للفلسطينيين والمسلمين، فبدون القدس ليس هناك أفق للسلام ولا لاستئناف المفاوضات، وبدون حل لقضية اللاجئين لن يكون هناك اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل، لأنها قضايا مصيرية وجوهرية للشعب الفلسطينى لا يمكن التنازل عنها أو تجاهلها، ومن هنا يعترف بأن التوصل إلى السلام لن يكون أمراً سهلاً! لقد ختم الرئيس الأمريكى زيارته لإسرائيل بخطاب مطول فى المتحف اليهودى فى مدينة القدس حفل بالدفء لرئيس الحكومة الإسرائيلية وحكومته اليمينية ولقى خطابه تصفيقاً حاراً من قبل الحضور الإسرائيلى بعد أن شدد على أنه لن يسمح لحماس وحزب الله وإيران وداعش بالمساس بإسرائيل، وقد كان لافتاً تجاهل ترامب فى خطابه الحديث عن حل الدولتين لشعبين بين إسرائيل والفلسطينيين وهو الحل الوحيد الممكن بالنسبة للفلسطينيين وركز عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه فى قمة الرياض مشدداً على أن مفتاح الحل لإنهاء الإرهاب هو حل القضية الفلسطينية محور الصراع فى المنطقة، لكن ترامب أسهب فى الحديث عن أهمية مكافحة الإرهاب ضد الشعوب المتحضرة وقال إن هدف جولته فى المنطقة كان توحيد دول المنطقة ضد الإرهاب والتطرف. صدق ترامب فقد غادر السعودية وفى جيبه 460 مليار دولار ما بين صفقات سلاح واستثمارات دفعتها دول الخليج تحت عنوان مكافحة الإرهاب الذى صنعته بلاده وصدرته للمنطقة العربية لتمزيقها وكسر إرادة شعوبها وزعزعة استقرارها، فلم يكن يهذى عندما قال فى إحدى خطبه الانتخابية قبل توليه منصبه «أنفقنا 6 تريليونات دولار فى الشرق الأوسط ولم نحصل حتى على بئر نفط صغيرة». وها هو يوفى بالوعد، فقد حققت زيارته للسعودية جزءاً من أهدافها واستطاع حصد ثمارها بأموال النفط العربى لتدشين قوة عسكرية قوامها 34 ألف جندى تحارب الإرهاب فضلاً عن تشكيل «ناتو عربى» يأتى على رأس أولوياته محاربة الإرهاب وصد الطموح الإيرانى فى المنطقة، بينما القضية المحورية التى خلقت هذا الإرهاب وهى القضية الفلسطينية لم يكن لها نفس الاهتمام. خطاب ترامب بدد الهواجس الإسرائيلية التى برزت فى الإعلام الإسرائيلى خوفاً من تراجعه عما وعد به لحماية أمن إسرائيل، خاصة أنه استهل جولته للمنطقة بدولة إسلامية وبعقد مؤتمر عربى إسلامى أمريكى وهو الذى هاجم المسلمين ومنع دخول رعايا سبع دول مسلمة لبلاده فور توليه الحكم، تبددت المخاوف لأنه الخطاب الأقوى والأفضل بالنسبة لإسرائيل لأنه تبنى الرواية الصهيونية للصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، وهو على خلاف سلفه باراك أوباما لم يُملِ شروطاً على إسرائيل فضلاً عن أنه لم يأتِ على ذكر الاستيطان ولو بكلمة، ما أثلج صدر نتنياهو وحكومته المتطرفة، واطمأنوا إلى أنه لن يمارس ضغطاً على إسرائيل سواء فيما يتعلق بالاستيطان أو تقديم تنازلات مؤلمة لإنجاز السلام.