تعثرت جهود عملية السلام فى الشرق الأوسط فى السابق بسبب تجاهل متعمد من جانب إسرائيل لتعريف المشكلة بأنها قضية احتلال أرض الغير بالقوة المسلحة خلافا لقواعد القانون الدولى، ولاتزال تتعثر بسبب ميوعة الموقف الأمريكى المساند لإسرائيل فى حسم تلك المسألة. المسألة واضحة وضوح الشمس وليست فى حاجة إلى كلام أكثر من الاتفاق على آليات تنفيذ إجلاء عناصر الاحتلال العسكرية والمدنية الإسرائيلية عن الأراضى المحتلة وإعادتها إلى أصحابها الفلسطينيين مع ضمانات بحسن الجوار من الطرفين. المشكلة تتلخص دون لف أو دوران وبغير كثير أو قليل من الفطنة فى أنها قضية احتلال أراضى الفلسطينيين بالقوة وطردهم من ديارهم على دفعات منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل وحتى الآن، برعاية أمريكية رغم الصداقة المزعومة والعلاقات الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وبين معظم الدول العربية. ما يحدث الآن من تحركات سياسية تهدف إلى إطلاق عملية السلام من جديد يدعو إلى الرثاء لأنها تحركات - ولا مؤاخذة - تتصف بالميوعة وتوحى بأنها جهود كسيرة العين عاجزة عن مواجهة المحتل الإسرائيلى بأنه محتل ويتعين عليه أن يرحل عن الأراضى المحتلة، بدلا من ذلك تركز تلك الجهود التى تتعلق بها أنظار المجتمع الدولى على استجداء تجميد الاستيطان فى الأراضى المحتلة أو وقف الاستيطان بها وهو ما يمكن اعتباره سقفا شديد الانخفاض لبدء تحرك يستهدف إقرار السلام العادل، وليس أى سلام والسلام! يطرح فشل اللقاءات الثنائية والثلاثية، مع المبعوث ميتشل ومع الرئيس أوباما شخصيا، فى إحراز تقدم للسيطرة على فجوة الخلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن المستوطنات تساؤلات حول قدرة الإدارة الأمريكية على دفع عملية السلام فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى سلامة التوجه إلى موضوع المستوطنات من الأساس. إن موضوع المستوطنات ليس سوى مضيعة للوقت، وجدت فيه السياسة الأمريكية ضالتها لتظل تتحدث وتتفاوض إلى ما شاء الله دون التزام بأى شىء، ولا أجد أى دافع فيما هو مطروح على الساحة الآن يضطر إسرائيل إلى التخلى عن الأراضى المحتلة. صحيح لماذا تتخلى إسرائيل عن الأراضى المحتلة، ما لم يكن عليها أن تدفع ثمن ذلك الاحتلال، ولا هى تخشى أن تدفع ثمنه يوما ما! الإخوة العرب قدموا مبادرتهم للسلام منذ عدة سنوات وقد حل عليها التقادم من طول ما عُرضت على إسرائيل ولم تجد سوى الرفض أو التجاهل، والإخوة الفلسطينيون مشغولون حتى النخاع بأمور المصالحة بين الفصائل وقضية استقلال غزة عن سلطة عباس ومطاردة عباس لسراب المفاوضات مع إسرائيل. الطريف فى الأمر أن الرئيس عباس ممتنع عن التفاوض حتى تجمد إسرائيل المستوطنات، حقيقة لست أعرف ما هو وجه الضغط على إسرائيل فى امتناع عباس عن التفاوض معها إذا كانت هى لا تنوى أصلا الانسحاب من الأراضى المحتلة ولم تعلن فى أى مرحلة أنها تعتزم إنهاء الاحتلال. أما الولاياتالمتحدة فقد وفرت الحماية لإسرائيل وقدمت لها السلاح والمال، وغضت الطرف عن احتلالها للأراضى الفلسطينية وقمعها للشعب الفلسطينى ووصفت مقاومة الاحتلال بأنه إرهاب وقالت إنه فى مقابل تخلى الشعب الفلسطينى عن المقاومة الإرهاب ، فإنها - أى الولاياتالمتحدة - تتبنى حل الدولتين، يعنى إقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل، ولكنها لم تنجح فى إقناع إسرائيل بهذا الحل طوال سنوات حكم بوش رغم ما بذله من وعود للفلسطينيين. الرئيس الأمريكى باراك أوباما توجه إلى العالم الإسلامى من القاهرة فى شهر يونيو الماضى، وأبدى تفهمه للأوضاع فى الشرق الأوسط، واستمع إلى زعماء المنطقة الذين رحبوا برؤيته المتطورة لما يجرى فى العالم من حوله باعتباره فاتحة صفحة جديدة فى علاقات الولاياتالمتحدة والغرب بالمسلمين، وطرحوا عليه إنه حان الوقت لوجود عدالة تتيح للفلسطينيين إقامة دولتهم، لوضع علاقات العرب والمسلمين مع إسرائيل والغرب على مسار صحى . حدث بعد كل الإرهاصات التى أوحت بانتباه الرئيس الأمريكى أوباما وإدارته إلى أهمية العدل فى التعامل مع القضية الفلسطينية أن بدأت محاولات إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان فى الأراضى المحتلة فطرحت إسرائيل فى المقابل فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية وأصرت على استثناء القدس من أى تفاهمات، كما اشترطت نوعا من تطبيع العلاقات مع الدول العربية قبل البدء فى المفاوضات. تساؤل: مفاوضات حول ماذا؟ الواقع أنه لا يوجد ما يمكن التفاوض عليه بعد الشروط والاستثناءات التى وضعتها الحكومة الإسرائيلية لإجهاض التوجه الأمريكى لحل المشكلة حلا عادلا لتحقيق مصلحة أمريكية وزرع اليأس فى نفوس الفلسطينيين من إمكانية التوصل إلى سلام شامل وعادل عن طريق المفاوضات، أى طريق آخر تريده إسرائيل.. هذا ما يجب أن تسألها الولاياتالمتحدة عنه وعن تكاليفه على المنطقة والمصالح الأمريكية وعلى أمن إسرائيل ذاتها. وماذا بعد؟ الاستمرار فى تلك الرقصة الشيطانية حول موضوعات فرعية لن يفيد أبدا فى إيجاد أى حل سوى إضاعة المزيد من الوقت ومضاعفة جرعة اليأس والعداء فى المنطقة وفتح الباب أمام التكتلات اليائسة لمقاومة إسرائيل ونفوذ الولاياتالمتحدة وما يستتبع ذلك من تداعيات. التكافؤ فى التعاملات شرط جوهرى لإنجاز أى تقدم فى تلك القضية المزمنة، وقد وضع الرئيس أوباما سمعة الولاياتالمتحدة ومصداقيتها على المحك أمام الشعوب العربية والإسلامية، بل لا أظننى مبالغا إذا قلت إن طريقة تصرف أوباما مع التنصل الإسرائيلى من تكاليف السلام العادل فى المنطقة، ستنعكس على رغبته فى تصحيح صورة الولاياتالمتحدة حول العالم، تلك الصورة التى أصابها الوهن والتحلل طوال السنوات الثمانى الماضية. الخطوة التالية من جانب الرئيس أوباما ينبغى أن تركز على مطالبة إسرائيل ليس بتجميد المستوطنات فحسب، وإنما على إسرائيل أن تعلن عن موافقتها على الانسحاب من الأراضى المحتلة فى حرب عام 7691 و تحدد حدودها وحدود الدولة الفلسطينية ليكون لدى المفاوضين ما يتفاوضون عليه.؟