"هارون الرشيد".. بمجرد ذكر اسم الخليفة العباسي الخامس، تقفز إلى أذهان البعض شهرته بكثرة زيجاته، إلا أن المؤرخين ذكروا كونه أول من اهتم بالرياضات المختلفة من اللعب بالكرة إلى رمي النشاب والشطرنج وسباقات الخيل المنظمة وغيرها، في فترة توليه بين (149ه / 766م - 193ه - 809م)، أصبحت بغداد عاصمة من عواصم الترفيه في هذه الألعاب، بقدر ما كانت مدينة الفن والعلم والأدب في زمانها، بالإضافة إلى مدن أخرى في العراق والبلدان الإسلامية. ووصف موقع "العربية.نت" ما أحدثه الرشيد بالرياضة ب"ثورة" وحولها إلى فعل جماهيري، ونقل عن المؤرخ محمد بن عبدوس الجهشياري من أهالي الكوفة (ت: 331 ه /943م) الذي ألّف في أخبار العصر العباسي، كيف أن هارون الرشيد كان من كبار هواة الرياضة في الهواء الطلق، وأنه أول من بنى ساحة لسباقات الخيل بالمفهوم الحديث، إذ قبله كانت هذه الرياضة تتم بالشكل التقليدي دون نظام أو مسابقات منظمة، ويقول "إن الخليفة كان يشعر بغاية السعادة والغبطة عندما كانت أحد خيوله أو خيول أبنائه تفوز في السباق". وأن الرشيد أيضا كان يمارس رياضة البولو، التي كان يُطلق عليها اسم "القوكان"، حيث يبدو أن هارون هو الذي أدخل هذه اللعبة إلى عالم الرياضة، وفي الواقع هي واحدة من رياضات عديدة مارسها الخليفة منها: الطبطاب والبرجاس التي تقوم على رماية السهام من على ظهر الجواد أو إمرار رمح من فجوة أسطوانة، وهذه الأخيرة أدخلت أيضا في ألعاب الجيش، وفقا لالجهشياري. وتابع الموقع أن الجيوش نفسها في تلك الفترة لم تعد بالشكل الكلاسيكي لها، بحيث عمل هارون الرشيد على حفزها بطريقة أكثر تحديثا، بإدخال نشاط بدني ورياضي منظم لها، وأضاف المنافسات التي تقوي العزائم من خلال الهمة والنشاط في التسابق بين الجنود بما يكسبهم الثقة بالنفس والثبات في المعارك لاحقً. وأرجع السبب في ذلك الأمر، لصغر سن الرشيد عند توليه الحكم حيث كان في ال 22، ما جعله متعلقا بالرياضة وفنون الشباب، ما ساعده على تطويرها والاهتمام بها، وحرص بالتالي على نشر الرياضات وسط شريحة الشباب وصغار السن، بوصفها وجها من أوجه التمدن والحضارة. وفي الكتاب الذي ألفه المؤرخ الفرنسي المشهور أندريه كلو، والمنضور في عام 1983، يشير إلى أن "مشاركة هارون الرشيد في الرياضة كانت تعتمد على روح رياضية عالية، فهو يضع نفسه ومنافسيه في المسابقات على درجة واحدة من المساواة"، وقد توزع نشاطه الرياضي بين بغداد والرقة التي أصبحت هي الأخرى مركزا فكرياً وثقافياً. وفي فنون الخيل، كان هارون الرشيد قد عمل على جعلها رياضة شبابية وأسس لها الحلبات العامة وأن تلبس لها أزياء مخصصة، حيث أصبحت مهرجانات سباقات الخيل من المناسبات الشائقة التي تستهوي الجميع من النخبة وعامة الناس، كما كان له اسطبلات خاصة لتدريب الخيل ورعايتها، وكان يشرف عليها عدد من الأخصائيين المدربين على ذلك الجانب، وقد أنشأ الميادين في عدد من المدن مثل الكرخ والرصافة والرقة، حيث يقضي فصل الصيف غالباً مع ممارسة رياضة الخيل. وقال "العربية.نت" إن فترة تولي الرشيد تعتبر "عصر الرياضة الجماهيرية"، والتي وجدت طريقها إلى قلوب الناس كوسيلة للتسلية كما تفعل كرة القدم في عصرنا الحالي، وهنا لابد من الإشارة إلى ارتباط الرياضة بالخيل عموما، كما أن هذا التطور شمل حتى تخصيص الأزياء لممارسة اللعبة المعينة وتطوير أدوات الرياضة بشكل عام، بحيث يمكن القول إن اقتصادا كاملا قام على الرياضة في تلك الفترة من عصر الرشيد، رغم كونها كانت تفتقد للقوانين والنظام. بينما في لعبة الصولجان "البولو"، في أساسها كانت عند العرب، حيث عُرفت منذ ما قبل الإسلام، لكن لم يتم الاعتناء الكبير بها إلا في العصر العباسي وتحديدا في عصر الرشيد، حيث كانت في البدء مجرد كرة تصنع من مادة خفيفة تُرمى في أرض الميدان ويتسابق الفرسان على التقاطها بعصا عقفاء، تسمى الصولجان أو الجوكان، حيث يرسلون بها الكرة إلى الهواء وهم على ظهور الخيول، ويعتبر الرشيد هو الذي خرّج هذه الرياضة من حيز الأمراء والقصور إلى عامة الناس بحيث أصبحت رياضة جماهيرية في عهده. فيما كان أبرز ملامح عصر الرشيد هي لعبة الشطرنج والألعاب الذهنية، التي بلغ اهتمام هارون الرشيد فيها لدرجة أنه لعبها بنفسه وحرص على المهارة فيها، وكان يُكافئ المتفوقين فيها، وبفضل اهتمامه شاعت اللعبة، وبلغ من شدة اهتمامه بها أن أهدى إلى شارلمان ملك الفرنجة رقعة شطرنج جميلة، ضمن هدايا بعث بها له، وكانت قطعها مصنوعة من الأحجار الثمينة. كما حرص على تنمية الرياضات القديمة أيضا، ومنها رمي البندق، وهي كرات تصنع من الحجارة أو الطين وتطارد بالمزاريق، أو النشاب أو ما يسمى قوس البندق، وقد اهتم بها الرشيد وكانت له فرقة في هذه الرياضة تعرف باسم "النمل"، وكان الناس يخرجون إلى ضواحي المدن للعب هذه الرياضة ومطاردة الطيور وصيدها بها. كذلك كان هناك الاهتمام برمي السهام، حيث كان يربط الحمام بخيوط ذهبية ثم ترمى بالسهام لكي ينفك الخيط ويطير الحمام، ومارس الرشيد نفسه ذلك، وبرع فيه كما يروى، أيضا مورست رياضة المصارعة، وتقام في ميدان عام تحت شجرة ويحصل الفائز على جائزة عبارة عن كيس من الدراهم في الغالب، بالإضافة لرياضة الطبطاب وهي خشبة عريضة، تشبه التنس الحالية، كذلك لعب العرب النرد ومارسوا فن الرقص.