الأحزاب هى أوعية سياسية، من أهم أدوارها القيام بالتنشئة والتربية السياسية للأفراد التابعين لها، وإعدادهم بشكل جيد وفاعل للتعامل مع المشكلات الحياتية التى تواجهها الشعوب.. هذا يحدث فى الدول العريقة ديمقراطيا.. فى أنظمة الحكم الديكتاتورى، لا توجد تعددية سياسية، وإن وجدت فهى تعددية شكلية أو ضعيفة أو هزلية.. فى هذا النوع الأخير، يتعلم المرء كيف يهرب من مواجهة أى مشكلة، خاصة إذا لم يكن لديه حل لها أو يصعب عليه إيجاد الحل.. يصدق هذا مع مسئولين، أو رؤساء أحزاب، أو ناشطين سياسيين، أو حتى مع كتاب مبرزين.. أحيانا تسأل أحدهم عن رأيه فى مشكلة داخلية ما، فإذا به يتجاهلها ويذهب بك بعيدا إلى مشكلة أخرى، ربما تكون داخلية أو خارجية.. سوف نلاحظ ذلك كثيرا فى حياتنا.. بالطبع هناك مشكلات يمكن أن تؤجل أو تقدم على مشكلات أخرى، رغم أهميتها، إذا اقتضت الظروف ذلك، والمسألة فيها تفصيلات كثيرة. لعله من نافلة القول التذكير بأن مصر تمثل جزءا مهما من الأمة العربية والإسلامية، وكان لها دورها التاريخى والمحورى على المستويين الإقليمى والدولى، وأنه آن الأوان لكى تستعيد هذا الدور.. لكن لا خلاف على أنه بقدر ما تكون مصر مستقرة سياسيا، متعافية أمنيا، قوية اقتصاديا، بقدر ما تكون قادرة على أداء دورها المأمول.. أما إذا كان الحال بخلاف ذلك، فإنه من الصعب أن تقوم مصر بدور يتناسب مع مكانتها التاريخية.. على سبيل المثال، لا أحد يختلف حول ضرورة دعم الشعب السورى فى محنته وانتفاضته ضد النظام الحاكم والقمعى هناك.. لكن السؤال هو: كيف؟ وما طبيعة وحدود هذا الدعم؟ وهل هو دعم سياسى، إعلامى، عسكرى، أم ماذا؟ إن المشكلة السورية صعبة ومعقدة ومتشابكة، نظرا لدخول أطراف إقليمية ودولية فيها، كل بطريقته.. فروسيا والصين وإيران وحزب الله اللبنانى، يقفون داعمين ومساندين، ماديا ومعنويا للنظام السورى القمعى.. وتركيا ومصر والسعودية ودول الخليج، يقفون ضده.. أمريكا -كما العادة- موقفها مرتبط بمشروعها ومصالحها ومطامعها، فضلا عن مصالح ومطامع دولة الكيان الصهيونى. افهم أن يكون هناك حراك شعبى عام لمساندة ودعم الشعب السورى فى محنته وانتفاضته، من منطلق إسلامى وعربى وأخلاقى وإنسانى.. وأفهم أيضاً أن تكون هناك دعوة واستنفار للشعب المصرى والشعوب العربية للتطوع والجهاد فى سوريا ضد النظام الحاكم والباطش هناك، فهذا ليس من حق الشعوب فحسب، لكن من واجبها كذلك.. لكن يجب ألا ننسى فى غمرة العواطف المشتعلة والمشاعر المتأججة، أن هناك فارقا شديدا بين سلوك وتصرفات الشعوب ورغباتها وتطلعاتها، خاصة فى هذه النوعية من القضايا، وبين سياسات الدول وقدراتها وإمكاناتها.. فالأخيرة تخضع لحسابات دقيقة واعتبارات معينة لها حساسيتها الخاصة المرتبطة بالاستراتيجية والأمن القومى لهذه الدول، فالذى يملك قرار إعلان الحرب، هو مجالس أمنها القومى.. لذا أقول لم يكن من المناسب أو الملائم أن يحضر رئيس دولة لمؤتمر جماهيرى -للتجمعات والأحزاب الإسلامية فقط- للإعلان عن نصرة سوريا، خاصة أن المؤتمر تضمن كلمات لنا عليها تحفظات كثيرة.. لقد فوجئت كما فوجئ الكثيرون غيرى بأحد المحسوبين على التيار الإسلامى يقول فى أحد المؤتمرات إننا هنا فى مصر نرسل بأسلحة للشعب السورى منذ عام!! فهل هذا معقول؟! لا أدرى باسم من يتكلم؟ وهل مسموح لأى أحد أن يتكلم فى هذه القضية الخطيرة فى مؤتمر عام؟ وهل تم إرسال أسلحة فعلا كما قيل؟!! لقد دعا الدكتور مرسى، وهو فى مؤتمر بالسعودية منذ أقل من عام، إلى تشكيل لجنة رباعية تضم ممثلى مصر والسعودية وإيران وتركيا للتعامل مع المشكلة السورية.. فأين هذه اللجنة؟ وما الذى وصلت إليه؟ هل نجحت.. تعثرت.. فشلت.. انتهت؟ لا أحد يعلم.. لقد كان هناك توجه عام مفاده ضرورة حل المشكلة السورية حلا سلميا، حيث إن التدخل العسكرى يزيدها تفاقما وتعقيدا.. فما الذى جرى؟ هل حدثت تطورات من شأنها اللجوء إلى التدخل العسكرى؟ وما الآثار والتداعيات التى سوف تترتب على ذلك؟ وهل من الممكن أن يؤدى تدفق السلاح إلى المعارضة السورية إلى إيقاف نزيف الدم هناك؟ نحن لدينا هنا فى مصر مشكلات وأزمات يعانى منها المواطن المصرى بشكل مستمر ودائم؛ فى التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات والتلوث البيئى.. الخ. لدينا عدم استقرار سياسى، وانقسام مجتمعى حاد، وانفلات أمنى تمثل فى أعمال القتل والخطف والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان.. كما لدينا أزمة اقتصادية خانقة، تلقى بظلالها الكئيبة على استقلال قرارنا السياسى.. ناهينا عن أزمات الغاز والبنزين والسولار، وانقطاع الكهرباء، والارتفاع الجنونى فى الأسعار وتدنى الأجور.. الخ. ثم مشكلة سد النهضة الإثيوبى وطريقة التعامل الهزلية معها.. فأين نحن من ذلك كله؟!! هناك أسئلة مطروحة من قبل مواطنين عاديين من مثل: هل قصد بهذه النوعية من المؤتمرات التغطية على المشكلات والأزمات التى يعانيها المواطن المصرى؟ وهل ذلك مرتبط بحملة «تمرد» واقتراب يوم 30 يونيو الجارى؟ ولماذا عقد هذه المؤتمرات فى هذا التوقيت بالذات؟ وهل كان مناسبا، بهذا الشكل المفاجئ ودون دراسة، إعلان الدكتور مرسى لقطع العلاقات مع سوريا وإغلاق سفارتها فى القاهرة واستدعاء القائم بأعمال السفير المصرى فى سوريا؟ وهل لذلك كله علاقة بإعلان الإدارة الأمريكية عن دعمها المعارضة السورية بالسلاح؟