الإخوان يتعاملون مع مصر كقبيلة سياح وافدة، أو بالأصح كقبيلة هكسوس محتلة فهم لا يفقهون شيئاً عن مصر، تلك السبيكة الفريدة التى تحتضن المسلم والمسيحى لينصهرا بالحب وعشق هذا الوطن، كان قد تملكنى اليأس مما أحدثه الإخوان وأعوانهم من تيار الإسلام السياسى فى نسيج الوحدة الوطنية المصرية حتى وصلت إلى بريدى دراسة أجراها موسيقى مصرى مسيحى مهاجر فى بولندا عن الإسلام والموسيقى العالمية، دائماً نتخيل المسيحى المهاجر إنساناً ناقماً كارهاً يمثل قنبلة موقوتة فى بلاد المهجر، ولكن ثبت أن خيالنا سقيم فها هو موسيقى مصرى مسيحى مرهف الحس اسمه أشرف صبحى بنيامين يتحدث بإنصاف وحب وذكاء عن العناصر المشتركة والتأثيرات المتبادلة بين الموسيقى العربية والغربية، وإليكم القصة مما كتبه الفنان المصرى: فى الوقت الذى كانت فيه الأوبرا المصرية تتهاوى من تأثير النقاشات المتدنية فى مصر، كانت هناك نقاشات من نوع راقٍ تجرى فى أوروبا من قبل باحث مصرى ليثبت أنه مهما تباينت العلاقات بين الشرق والغرب من حروب وعداء وعدم احترام لثقافة الآخر، هذا الباحث المصرى هو قائد الأوركسترا المايسترو أشرف صبحى بنيامين دكتور العلوم الإنسانية متعددة التخصصات، وحاصل على ليسانس وماجستير الفنون فى قيادة الأوركسترا السيمفونى والأوبرا من أكاديمية بوزنان الموسيقية ببولندا ودبلومة قيادة الأوركسترا الهارمونى من كونسرفتوار روتردام بهولندا وبكالوريوس التربية الموسيقية من جامعة حلوان، قدم أول أعماله عام 1992 حين قاد أوركسترا بوزنان الفيلهارمونى ثم توالت بعد ذلك قيادته للفرق المعروفة عالمياً وقدّم العديد من الحفلات تضمنت أعمالاً من الموسيقى المبكّرة إلى الأعمال الموسيقية المعاصرة والحديثة، لقد أثبت «فارابى» العصر الحديث -كما أطلق عليه أساتذة الغرب- فى أطروحته بعنوان «العلاقات الموسيقية فى الثقافات العربية والأوروبية» أن كلاً من الحضارتين كان لهما تأثير قوى على بعضهما البعض وأن «الاقتراض» الثقافى بين الحضارتين العربية والأوروبية تجلى بوضوح فى فترتين تاريخيتين تفصلهما عدة قرون، المرة الأولى فى العصور الوسطى والثانية فى العصر الحديث. كما أثبت أن الموسيقى الأوروبية تشكلت من خليط من الموسيقى اليونانية والمسيحية والعربية، ثم حدث لها تطوير فى عصر النهضة وتغيرات جذرية فى عصر التنوير، كما حوت الموسيقى العربية عناصر من الحضارات الهيلينية والبيزنطية والفارسية وغيرها. كما أثبت أن موسيقى العصور الوسطى الأوروبية قامت على علاقات فكرية وإبداعية مع الموسيقى العربية، وإن كانت هذه العلاقات معقدة إلا أنها كانت مبنية على أساس من التفاهم والقبول اتصلت فيه ثقافات مختلفة فى عالم واحد مشترك. ومن خلال التفاعل الثقافى والعلاقة بين اللغة والموسيقى فى الحضارة العربية وتفرد العرب فى إتقان موازين وإيقاعات الشعر، تفتحت بعض العناصر المهمة فى الثقافة الموسيقية الأوروبية بما فى ذلك نظريات الموسيقى، بالإضافة إلى انتشار الآلات الموسيقية العربية فى الغرب فمعظم الآلات الموسيقية المستخدمة فى الأوركسترا السيمفونى اليوم هى آلات ذات أصول عربية. كما قدم الشرق فى القرن التاسع عشر رصيداً هائلاً من الإلهامات الشعرية لمؤلفى نصوص الأوبرا، وفى ظل السياق المتغير والمتتابع فيما يختلف عليه الغرب والشرق من ثقافة وسياسة ودين فى الفترات التاريخية المتعاقبة من العصور القديمة وحتى وقتنا الحاضر، ثبت وبالفعل أن العلاقات الموسيقية فى الثقافات العربية والأوروبية تميل إلى الاستمرارية المتسقة والتسامح والتعاون. يقول الفنان أشرف صبحى «إن للإسلام فضلاً كبيراً على الموسيقى العالمية فحين ألف الإسلام بين قلوب شعوب مختلفة العرق والجنس اتحدوا فى ترتيل وتجويد القرآن الكريم باللغة العربية بأشكال مختلفة تتميز بالإحكام والإتقان مما كان له أثر كبير فى تنظيم موسيقى ثقافات مختلفة فى عالم واحدمشترك، تفرد المسلمون بطرق ومناهج تدريس الموسيقى والعزف والغناء فكانت الأكاديمية الموسيقية التى شيدوها فى أوروبا فى القرن التاسع هى الأولى والأشهر على الإطلاق بين الأوروبيين من طالبى العلم، أيضاً نبغ الأطباء العرب والمسلمون فى أساليب العلاج بالموسيقى؛ ففى القرن الثالث عشر كان مستشفى السلطان قلاوون فى القاهرة تستخدم العلاج بالموسيقى فى تطبيب عامة الشعب، ويمكننا القول أيضاً إن أول من أطلق مصطلح موسيقى الجاز jazz كانوا الأفارقة من المسلمين الذين وصلوا إلى القارة الأمريكية بقولهم «جزء» بمعنى تقطيع الشعر على إيقاع منظم أساسه الحركة والسكون، وفى القرن التاسع عشر حين وهنت وضعفت حضارة المسلمين تحت نير الاحتلال قدمت من تراث أدبها رصيداً هائلاً من الإلهامات الشعرية لمؤلفى نصوص الأوبرا.