1- المأزوم قبل أشهر كتب أحمد المغير على حسابه الشخصى بموقع تويتر معرفاً نفسه بالآتى: «فنان مصرى بيحاول يصنع فرق ولو بسيط»، ثم نشر رابطاً على موقع يوتيوب بمحاولات كوميدية، يسخر فيها من شخصيات سياسية، كأحمد شفيق، وعمرو موسى، وخصوم لجماعة الإخوان. المغير يحمل ملامح فنان كوميدى، بجسده الضخم، وتعبيرات وجهه المتمردة على حديدية التنظيم الإخوانى، لم ينتبه أحد لشخصية المغير ولا بتعريفه الفنى لنفسه، ولا به شخصياً إلا بعد أن أصبح تحت الضوء، فجأة مع أحداث الاتحادية الأولى بصورة شهيرة لشاب يمسك «شومة» فى يده، وسط ميليشيا الإخوان، مع اتهامات من نشطاء له، ولآخرين، بمسئوليته عن السحل والقتل والإبلاغ عن النشطاء قبيل سحلهم. النشطاء قالوا إنه من رجال الشاطر الحركيين، ثم تبرأ قيادى الجماعة وعضو مكتب الإرشاد محمود غزلان وقتها من المغير وقال: «لا علاقة للإخوان بالمغير، كما هو ليس مساعداً للشاطر»، فرد الفنان عضو الميليشيا قائلاً: «بل أنا إخوانى ومن شعبة الهرم». أصبح المغير حديث النشطاء كبلطجى محتمل، إلى أن قفز إلى سطح الجدل مرة أخرى بفيديو مدته 29 ثانية يظهر فيها شبه عارٍ، يرتدى وأربعة آخرون أقنعة عليها وجوه أعضاء من جبهة الإنقاذ، حمدين صباحى وعمرو موسى والسيد البدوى وحسين عبدالغنى، يرقص «هارليم شيك». «هارليم شيك» الإخوانية، قُصد بها رد الصفعة لشباب ثائر رقصها أمام مقر المقطم، لكن التقليد بالسليقة لا ينتصر أبداً على الأصل، ولهذا لم تحقق محاولات تقليد باسم يوسف على قناة الناس أى صدى، وأصبحت «هارليم شيك» الإخوانية مسار سخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، فكتب مدون : «المغير راقصة الإخوان الأولى»، وقال آخر: سنرفع عليه قضية ازدراء «ثديين». داخل الأسوار الحديدية للجماعة لا يستطيع المغير إطلاق مهاراته الفنية على سجيتها، فالإبداع الحر يتنافى مع صرامة التنظيم وأوامره، فيما أتاحت له الجماعة فى مشهد الشومة عرضاً متكرراً للشهرة، وصل الاثنان، الجماعة والمغير، إلى صيغة تعايش، هو فنان وفق القالب الإخوانجى (الهادف)، وربما بعد الظهر قيادى فى ميليشيا تطارد المحتجين، وعندما ذهب لفض اعتصام الفنانين أمام وزارة الثقافة، كان المشهد الأخير للمغير يوثق شخصاً مأزوماً، تتصارع داخله أدوار عدة؛ مناضل، بلطجى، فنان. يرى نفسه مبدعاً على باترون التنظيم. الجماعة تحدد له أى وجه يظهر به وتوقيته. وعند اللزوم تتبرأ منه مثلما كرر ياسر محرز بعد أحداث وزارة الثقافة مقولة غزلان وقال: «المغير ليس عضواً فى الجماعة بل محب لها». 2- فزع الفن بعد أن سجل المغير فيديو الرقصة العارية كان الإسلامجية (ومنهم الإخوان) يرونه مسيئاً للأخلاق، وكتب كثيرون منهم عن الضوابط الشرعية التى اخترقها، فالجماعة لم تعد تتحمل الفن، بمقاييسها نفسها فى الأربعينات، فكان لها مسرح شاركت فيه أسماء لامعة من بينها؛ فاطمة رشدى، محمد السبع، عبدالبديع العربى، محمود المليجى، سراج منير، إبراهيم الشامى، والنجم الأشهر عبدالمنعم مدبولى. وهناك حديث فى الأدبيات الإخوانية غير المكتوبة عن محاولات لحسن البنا نفسه لدخول مجال السينما بمساعدة بعض نجوم هذه الفترة الذين عُرفوا بميولهم الدينية مثل الفنان حسين صدقى، بل يقول الراحل حسام تمام فى دراسة له عن الفن الإخوانى إن مسرح الجماعة فى الأربعينات لم يتوقف عند الأسئلة التقليدية التى تُطرح حتى الآن بين الإسلاميين وجماهير المتدينين عموماً وتتمحور حول الفن وأهمها سؤال المرأة: وكانت عروضه تقدم فى المسارح المعروفة بما فيها مسرح الأوبرا ويشترك فى إدارته عناصر من خارج الإخوان بل وغير مسلمين أيضاً، فكان المسئول عن الدعاية من خارج تنظيم الإخوان وكان مسيحياً! ويفسر تمام تحرر الإخوان النسبى فنياً بالتأثر بتقاليد الفترة الليبرالية فى تاريخ مصر. لكن فن الجماعة، رغم هذا الانفتاح وقتها، لم يتحرر تماماً من التزامه بأهدافها وسياساتها، والتاريخ يقول إن الفن الملتزم، سواء بطبعته الاشتراكية أو الإسلامجية، لم يُكتب له الخلود. كما أن هذه النسخة المنفتحة من الفن الأخلاقى ستحمل عوامل تحللها، لنسبية مفهوم الأخلاق من زمن لآخر، ووقوع سلطة التقييم الأخلاقى عادة فى يد كهنة الجماعة الكبار. وبانتهاء ليبرالية نصف القرن العشرين الأول عاد الوجه الصارم الذى يفزع الفن ويفزع منه، فمع سيد قطب ترسخت دونية الفن، بل إنه تسبب فى إحراق صديقه حسين صدقى نيجاتيف أفلامه والتبرؤ منها، وهو الأمر الذى تكرر فى الثمانينات، مع طلب من عُرفوا بالفنانين التائبين شراء أفلامهم، لعدم عرضها، كشمس البارودى، وحسن يوسف. المغير، الآن، ابن مرحلة القطبية الجديدة فى الإخوان، تعدت الجماعة مرحلة «الفن الملتزم إلى النظرة للفن كإثم وحرام». المغير هو ابن مرحلة قيادة القطبيين محمد بديع، ومحمود عزت، وجمعة أمين، ومحمود غزلان، سرعان ما ضحى بميوله الفنية، ورضخ، ومسح فيديو هارليم شيك العارى. اكتفى الشاب، الذى يداعبه حلم الفن، بتأدية مشهد تأديب الفنانين، والتلصص على فنهم الذى حرّمته الجماعة عليه، وعندها وجد نفسه مهاناً تسيل الدماء من رأسه، ففقد هيبته كعضو ميليشيا تأديب، مثلما أفقدته الجماعة حلمه الفنى.