منذ عدة أشهر وحالة الإحباط مسيطرة على المجتمع المصرى.. فالسلطة أخفقت فى إدارة شئون البلاد، واستجلبت سخط الناس على مختلف مستويات الشرائح الاجتماعية.. والمعارضة لم تكن على المستوى المأمول، فهى لم تستطع أن تجد منفذاً للتعامل مع السلطة، بسبب أمور كثيرة نجم عنها فقدان الثقة الكامل بها.. وفجأة برزت فكرة «تمرد» كحركة شبابية احتجاجية رافضة لما يجرى.. وكانت مثل حجر ألقى فى بحيرة ماء راكد. فى أسابيع قليلة أصبحت حملة «تمرد» حديث الناس.. قيل إن كل 5 مواطنين بينهم 3 سمعوا بحركة «تمرد»، وإن عدد من وقعوا على استمارات الحملة بلغ نحو 9 ملايين، وهناك حديث حول أنهم 13 مليوناً، وهو على أى حال رقم كبير.. وتخطط الحملة للوصول إلى 15 مليوناً خلال الأيام المقبلة قبل 30 يونيو الجارى.. واضح أن التيار الإسلامى بكل فصائله منزعج وقلق من انتشار الحملة بهذه السرعة، والشواهد على ذلك كثيرة.. قيل إن هناك خطة لمواجهة الدعوة التى وجهتها الحملة للشعب المصرى ولكل الموقعين على استمارة «تمرد» للنزول والتظاهر السلمى أمام قصر الاتحادية يوم 30 يونيو.. هناك تأكيدات من المتحدثين باسم الحملة أن المتظاهرين لن يحملوا أى سلاح، أو قنابل مولوتوف، لكنهم سيحملون علم مصر وكارتاً أحمر وصفارة، كناية عن أن الوقت الممنوح للدكتور مرسى قد انتهى. ساعد على انتشار حملة «تمرد» وإقبال المواطنين عليها، مجموعة من العوامل.. أولها: أن الفكرة نابعة من الشباب، بعد أن وجد الطريق أمامه مسدوداً، خاصة بعد حالة الاستقطاب التى يعانى منها المجتمع المصرى. ثانيها: الحركة النشطة والفاعلة لشباب الحملة ونزولهم إلى الشارع، والتقاؤهم المواطنين وجهاً لوجه، وعدم الاكتفاء ببرامج «التوك شو». ثالثها: سلمية الفكرة ذاتها وابتعادها عن أى مظاهر عنف. رابعها: تبنى بعض وسائل الإعلام للحملة ومتابعة فعالياتها بشكل مستمر ودائم. خامسها: التركيز على السلبيات التى وقع فيها الدكتور مرسى، فضلاً عن الإخفاق فى إدارة شئون البلاد خلال هذه الفترة، خاصة المشكلات الحياتية التى يعانى منها المواطن المصرى، علاوة على أزمات الكهرباء والسولار والبنزين والغلاء الفاحش فى الأسعار وتدنى الأجور. قضية سد النهضة الإثيوبى وآثاره وتداعياته على مصر والمصريين، وطريقة تعامل الرئاسة معه بهذا الشكل المضطرب والمرتبك والهزلى، بما يوحى أننا لسنا أمام دولة مصر، ذات التاريخ والمكانة والمنزلة - ألقت هى الأخرى بظلالها على المشهد كله.. هذه القضية أضافت إلى أحزان وأوجاع المصريين فزعاً وقلقاً على حاضرهم ومستقبلهم.. كأنه لم يكف الوضع الأمنى العام المتردى؛ من قتل وخطف وعنف وانتهاكات لحقوق الإنسان بشكل يعيد إلينا أيام الرئيس المخلوع.. وكأنه لم يكفِ أيضاً الوضع الاقتصادى الخانق الذى يزداد تردياً وتعقيداً يوماً بعد يوم. يوجد تخوف من اندلاع عنف يوم 30 يونيو، وهناك من له مصلحة فى إشاعة ذلك حتى تتقلص الأعداد إلى بضعة آلاف.. وفى هذه الحالة يمكن أن نتوقع حدوث أعمال عنف.. لكن أعتقد أن وصول حشود المتظاهرين إلى ملايين سوف يكون مانعاً من حدوثه.. شخصياً، أنصح الجميع بعدم الاستدراج إلى أى عنف، من منطلق حرمة الدم وحفاظاً على أمن واستقرار مصر.. وهذا بالتأكيد يستلزم أعلى درجة من الانضباط والالتزام من الطرفين؛ مؤيد ومعارض.. ومن قبل ذلك وبعده الدكتور مرسى.. ووزارة الداخلية.. من المتوقع أن يزداد القلق عند الطرفين من الآن فصاعداً.. وقد بدأت سحب وغيوم تتجمع فى الأفق.. ظهر ذلك فيما حدث فى دمنهور، وحرق المقر الرئيسى لحملة «تمرد» فى القاهرة يوم الجمعة الماضى، وما حدث فى المنصورة بعدها بيوم. من حق حملة «تمرد» أن تطالب بسحب الثقة من الدكتور مرسى ومطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ما دام تم ذلك بأسلوب سلمى وحضارى.. ومن حق المؤيدين للدكتور مرسى أن يؤكدوا على ثقتهم فيه، وأن يعلنوا عن ذلك من خلال تظاهرات سلمية، شريطة ألا يكون هناك احتكاك يؤدى إلى عنف.. وهذا وذاك من شأنه أن يعمق من الممارسة الديمقراطية فى مصر، التى نحن فى أمس الحاجة إليها.. لكن يبدو أن ذلك سيكون صعباً.. من ناحية أخرى، من حق الدكتور مرسى أن يتخذ القرار الذى يناسبه.. وفى كل الأحوال، سوف يتحمل الرجل مسئولية القرار الذى سيتخذه، أياً كان نوعه وطبيعته.. لكن، من حق بل من واجب أى مواطن أن يحذر وأن ينبه إلى خطورة الوضع وما يمكن أن يصل إليه، إن ترك الحال على ما هو عليه. هناك من طرح فكرة أو رؤية للخروج بالبلاد من المأزق.. مثلاً: من طالب الدكتور مرسى بالاستجابة لطلب الحملة، خاصة إذا وصل عدد الرافضين إلى 15 مليوناً، على اعتبار أن هذا الأمر صار مطلباً شعبياً.. وهناك من طالبه، كالمستشار المستقيل جادالله، بإجراء استفتاء عاجل قبل 30 يونيو الجارى، ليحدد الشعب -بصفته مصدر السلطة- ما إذا كان من المناسب أن يستمر الرجل فى الحكم حتى نهاية ولايته أم لا. لقد تجاوز الرفض والاحتجاج أصحاب الحملة.. أصبح يستقطب مساحات وقطاعات واسعة من الجماهير.. أفهم أن السلطة ومن يؤيدها يحاولان إعطاء انطباع يهوّن من شأن ما وصلت إليه الحملة.. وهذا أمر بدَهى، لكن أخشى ألا يكون هناك إدراك حقيقى لحجم المشكلة وأهمية التعامل معها بشكل أكثر حكمة ورشادة.. أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يرزق أهل مصر الرشد والسداد.