فى السياسة، يجافى الصواب توقع أن حملات الضغط الشعبى الناجحة وذات المطالب الكبرى تحدث نتائجها فوراً. أسجل هذا كتابة، وبعد أن أكدت عليه إعلامياً، بالإشارة إلى حملة تمرد. فمطلب الحملة هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع انهيار شرعية رئيس الجمهورية الأخلاقية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة وعصفه باستقلال القضاء وسوء أداء إدارته وحكومته وغياب الشفافية عن سياساته وممارساته وتدخل جماعة الإخوان المسلمين فى صناعة القرار دون سند ديمقراطى. وأدوات حملة تمرد هى التعبئة السلمية للضغط الشعبى عبر دعوة المواطنات والمواطنين إلى توقيع استمارات لسحب الثقة من رئيس الجمهورية والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتوظف الحملة أدواتها على نحو غير مركزى فى المناطق الحضرية والريفية المختلفة. وحملة تمرد حين تتحرك بهذه المطالب والأدوات لها شرعية ديمقراطية لا تنازع، ولها بالفعل تداعيات إيجابية مباشرة وكثيرة. وفى رأيى، فإن أهم هذه التداعيات الإيجابية يتمثل فى إعادة الحراك السلمى والشعبى إلى الشارع المصرى بعيداً عن دوائر العنف والعنف المضاد التى صبغت الأشهر الماضية (من الاتحادية إلى المقطم) وبعيداً عن يافطات الأحزاب والجبهات التى خسرت الكثير من مصداقيتها لضعف الفاعلية ومحدودية الوجود بين الناس. إلا أن شباب حملة تمرد وجموع المواطنات والمواطنين الذين وقعوا على استمارات الحملة يجافون الصواب إن انطلقوا من حتمية تحقق مطالب الحملة الكبرى، سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. فالحملة، وإن واصلت بنجاح جمع الاستمارات الموقعة، تظل فقط معبرة عن قطاعات الشعب المصرى التى فقدت الثقة فى الرئيس وتتعاطف مع الانتخابات المبكرة ولا ينبغى عليها تجاهل وجود قطاعات أخرى تؤيد الدكتور محمد مرسى وتريد استمراره فى موقعه. الحملة، ولها منّى كل التأييد والدعم، لا تحتكر الشارع وتتفاعل مع مجتمع مواطنات ومواطنين منقسم ومتباين التوجهات. وليس فى إدراك حقيقة الانقسام والتباين فى المجتمع بشأن رئيس الجمهورية ما يدعو شباب حملة تمرد إلى التراجع أو عدم مواصلة التعبئة السلمية للضغط الشعبى من أجل انتخابات مبكرة، بل يلزمهم فقط بمصارحة الناس باحتمالية عدم تحقق مطالبهم وكون تعبئة الضغط الشعبى عملية تدرّجية طويلة المدى. بعبارة أخرى، من غير المسئول شعبياً وسياسياً رفع سقف توقعات المواطنات والمواطنين الباحثين عن التغيير فى مؤسسة الرئاسة باتجاه التحقق الحتمى للانتخابات المبكرة أو صناعة الانطباع بأن 30 يونيو 2013 هو يوم رحيل الرئيس المنتخب. فحراك الشارع لا يقتصر على «تمرد»، ولرئيس الجمهورية قطاعات تؤيده كما نعارضه. كذلك من غير المسئول شعبياً أو سياسياً إنتاج مقولات قانونية زائفة تدعى أن جمع عدد بعينه من الاستمارات الموقعة (15 مليوناً) وتسجيلها (بمكاتب الشهر العقارى) وتقديمها لجهة قضائية معينة (المحكمة الدستورية العليا) له أن يضفى طابع الحتمية على سحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة. فلا الدستور ولا القوانين المصرية تنص على ذلك، ولا يوجد فى الأعراف والخبرات العالمية ما يدلل على إلزامية عزل المسئول المنتخب (فى حالتنا رئيس الجمهورية) حال رفض قطاعات شعبية واسعة لحكمه. المسئول شعبياً وسياسياً، إذن، هو أن يؤكد شباب حملة تمرد على ديمقراطية وعدالة مطالبهم وسلمية حراكهم وكذلك على تدرّجية تحقيق الضغط الشعبى لنتائجه الكبرى المتمثلة فى إجراء انتخابات مبكرة مع رئيس منتخب له قطاعات مؤيدة وداعمة. المسئول شعبياً وسياسياً هو التشديد على الطابع التراكمى للسياسة بصورة عامة، وعلى كون جولات السياسة فى مصر اليوم من انتخابات رئاسية مبكرة إلى دستور ديمقراطى وبرلمان شرعى وحماية لحقوق الإنسان لن تحسم نهاياتها بالضربات القاضية، بل ستحسم جميعاً بالنقاط المرتبطة بعدالة المبادئ والأهداف، وبالنفَس الطويل وطاقة الاحتمال العالية للفاعلين المتنافسين من يمين دينى وقوى مدنية.