«بيقولوا فيه اشتباكات عنيفة فى محيط وزارة الداخلية التركية عند شارع مهند مهنود»، تلك النكتة التى انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تعكس نظرة عميقة وساخرة للشباب والمعارضة المصرية من أحداث العنف التى وقعت فى تركيا خلال الأيام القليلة الماضية، وعكست نظرة ناقدة للتجربة التركية التى تتباهى بها «جماعة الإخوان المسلمين» حتى أصبحت اسطنبول هى قبلة خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما، ولكن يبدو أن تركيا هى التى ستطبق التجربة المصرية، بدلا من أن يطبق علينا الإخوان التجربة التركية. خرج آلاف الأتراك فى مظاهرات سلمية غاضبة فى مدن أنقرة وأزمير وبولو اعتراضا على عنف قوات الأمن مع المتظاهرين فى اسطنبول اعتراضا على قطع أشجار قديمة وإزالات استعدادا لتغيير ملامح واحد من أشهر ميادين تركيا وهو ميدان «تقسيم» الذى يحيط به أشهر الفنادق ويؤدى إلى الشارع التجارى «الاستقلال» الأكثر شهرة فى تركيا. استخدمت الشرطة التركية كل وسائل القمع، بدءا من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش فى مشاهد تشبه ما حدث فى مصر أيام ثورة 25 يناير، فسقط عشرات المصابين، منهم سائح مصرى ما زال فى غيبوبة بعد إصابته بنزيف فى المخ، وتوالت المشاهد المتشابهة، من وقوف الشباب الثائر أمام سيارات الأمن بلا خوف، وبدأوا فى نصب الخيام فى الميدان، فأحرقها الأمن، وأقيم المستشفى الميدانى، كما التحرير، ولم يبق أمام الحدث الكبير إلا أن نرى موقعة الجمل حتى يكتمل المشهد الثورى المصرى فى اسطنبول، ولكن كان للأمن التركى رأى آخر فاستبدلوا الجمال بالكلاب الشرسة، فأطلق عليها النشطاء «موقعة الكلب»! مشاهد الكر والفر بين الأمن والمتظاهرين أسفرت عن إصابة ما يزيد عن ثمانين بينهم من فقد عينه، واعتقال ما يقارب الألف، فى بلد يدعى الديمقراطية بمفهومها الأوروبى فى إطار إسلامى لا يتجسد فى أى مظهر فى تركيا العلمانية سوى فى أن الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» إسلامى أو إخوانى، لا تفرق كثيرا. رد فعل رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، لم يختلف كثيرا عن رد فعل النظام الإخوانى فى مصر، فقد سارع باتهام المعارضة المغرضة والإعلام الفاسد بإشعال الفتن لإحداث فوضى لإفشال نجاح المشروع الإسلامى، وإن اعترف باستعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، وإن أصر على استكمال ما بدأه دون الالتفات للغضب الشعبى ولا الانتقادات الدولية للتعامل الأمنى مع الشعب التركى! نسى أردوغان ما قاله لمبارك أيام الثورة: «استمع لغضب شعبك»، ولم يستمع لغضب شعبه، فقد كانت نصيحته تصب فى صالح الإخوان الذين لا ينكرون دور تركيا فى نجاح الثورة المصرية التى سرقوها بنجاح باهر حتى الآن! وسارع الإخوان بالدفاع عن أردوغان والحكومة التركية وأخذوا فى الإشادة بنجاحها الاقتصادى وبأن ما يحدث هناك يحدث مثله فى دول مثل إنجلترا وأمريكا، ولم يفت نجل الشاطر أن يشبّه المعارضة التركية بمثيلتها فى مصر، إنهم فى الهم والكذب سواء. ما يحدث فى تركيا قد لا يؤدى إلى سقوط النظام الآن، ولكنه يكشف انهيار أصحاب المشروع الإخوانى- الإسلامى، وهو أبعد ما يكون عن الإسلام، ويكشف حجم الفزع من ميدان التحرير، حتى إن أحد الموالين للنظام كتب عن ميدان «تقسيم» بأن المعارضة تريد أن تجعله مثل ميدان التحرير فى مصر، وهذا ما لن تسمح به الحكومة، ولا أعرف ماذا سيقول هذا الكاتب عندما تصل حركة تمرد إلى تركيا بعد أن تفرغ من مهمتها العظيمة فى مصر يوم 30 يونيو؟!