يرقّ لحالها المارة، فيسألونها: «مين معاكى يا حاجّة يروّحك؟»، تبتسم وتشير لأعلى: «معايا ربنا».. سعيدة رغم حالها، اسمها أمينة عبدالله محمد، لم تمنعها أمراضها، أو سنوات عمرها السبعون من الهتاف مع الهاتفين، ورفع علم مصر عاليا وسط ميدان التحرير، تقول: «أنا لوحدى فى الدنيا، قاعدة فى الشارع، وماليش سكن غير هنا، عنوانى ميدان التحرير، من 25 يناير لدلوقتى». يسألها بعض الثوار عن قصة حياتها فتحكى وسط دهشة من السامعين، البعض يصدقها ويرق لحالها، وآخرون يعتقدون أنها تهذى أو تخترع، لكن الجميع يتعاطف معها فى كل الأحوال، فى جلستها تلم حولها الميدان بقصتها، تختلط مأساويتها بدموعها، فتعود للابتسام لعلها تزيح عنهم الكرب الذى ألمّ بهم. «عمر افندى».. فى هذا المكان قضت سنوات عمرها، عملت فيه منذ أن كان راتبها 9 جنيهات، رئيسة قسم التوزيع هناك، قذفت بها سياسات الخصخصة إلى معاش مبكر لم تسع إليه، لكنها أيضاً لم تعترض عليه، عندما خرجت على المعاش سنة 1995، كان مرتبها قد وصل إلى 200 جنيه.. «مش بطالين.. أحسن من مفيش»، تقولها السيدة برضا غريب ينافى ما آل إليه حالها، فبعد أن حصلت على 30 ألف جنيه قيمة المعاش، أصبحت بلا مأوى إلا من مقعدها المتحرك وسط الميدان. «أنا ماكنتش فقيرة»، تواصل حديثها: «عدت إلى قريتى الدلبشان، مركز كفر الزيات، واشتريت أرضاً 175 متراً ب15 ألف جنيه، وأسست بالباقى مسجداً لله، قررت أن يكون مقرى فيما بعد. أهل البلد المفتريين رفضوا أن أبنى أوضة فوق المسجد أعيش فيها فسرقوا ورق الأرض والمسجد وطردونى من البلد كلها».. هنا تبكى، لا لشىء سوى أن الله حرمها من السند، فالمرتان اللتان تزوجت فيهما أثبتتا لها أنها ستعيش وتموت دون أن يكون لها ولد يحمى ظهرها ويرحم شيخوختها. تعود إلى صمودها: «كنت هبلة.. مش كان أحسن لى أبنى بيت يأوينى بدل الجامع.. كنت فاكرة إن بناء الجامع فرض زى الحج.. بنيت الجامع وقعدت فى الشارع».. تعود لتبكى وهى تتذكر: «الظاهر مكتوب على وشى انى اتسرق، عشت فى أوضة فى بولاق لكن برضه سرقونى، لدرجة النضارة وسَرك المعاش وهدومى والأنبوبة وبطاقة التموين، طبعاً طردونى من الأوضة فشِلت جلبيّتى ونزلت على الميدان، ومن ساعتها حياتى كلها هنا، بانام فى مكانى ولقمتى على أهل الخير وحبايب الميدان». تخشى أمينة النوم، «ممكن أتسرق وانا نايمة».. ولا تنوى مغادرة الميدان إلا فى حالة واحدة.. «ييجى رئيس جمهورية يوفر لأمثالى مكان ولقمة، ويا ريت كمان حجة».