لدىّ يقين بأن الثورة التى قامت فى مصر على أكتاف شباب غض قوى الإرادة لتحديات العصر، سوف تصل إلى محطتها النهائية فى التمكين لنظام ديمقراطى جديد وعدالة اجتماعية يحيا بها وفيها الشعب المصرى الذى ظلم وقهر أزماناً طويلة، وذلك رغم كل التحديات والإحباطات التى تتسرب إلى النفس بين الحين والآخر. لدىّ قناعة أيضاً أن هذه الثورة قد نجحت نجاحاً باهراً، وإن ظن البعض غير ذلك، نجحت فى أن تعرى الزيف والبهتان والضلال، نجحت فى أن تسقط عن أشخاص وجماعات ورقة التوت التى كانت تحيا بها نفاقاً وكذباً، هذه الثورة كان من أعظم تجلياتها أنها تعالج أمراضاً عانى منها الشعب المصرى عشرات السنين. فى ظل هذا الفهم لحالة الثورة المصرية، يبقى من جرائم الخيانة العظمى لدماء الشهداء والجرحى ولحلم الوطن كله تسرب اليأس إلى النفوس التى حلمت بمستقبل أكثر إشراقاً لمصر والمصريين. إننى أنظر إلى حالة السلطة المرتبكة والمتخبطة والمعادية للثورة وأهدافها، أنظر إليها وهى تسعى لوأد حلم الثورة وإذلال الثوار تفتح لهم أبواب السجون والاعتقال عبر زوار الفجر، أنظر إلى حالة من سكنوا قصور الحكم بفضل الثوار كيف كانوا؟ وماذا أصبحوا؟ إن الثورة وأحلامها تفضحهم كل يوم. تمسك بهم وهم فى حالة الجرم المشهود بسرقة الثورة وأهدافها، والتلبس بإهانة ثوارها وشهدائها وجرحاها، إن هذه الحالة فى الحقيقة تمثل قمة نجاح الثورة، الثورة التى عرت والتى نجحت بامتياز فى فرز من معها ومن ضدها ومن سرقها ومن أكلها ومن باعها. فى ظل هذه الحالة يتأكد انتصار الثورة وعظمتها بعظمة شبابها الذين يقبضون على جمرها ويعضون على أحلامها بالنواجذ، من هذا المناخ ولدت حركة تمرد من بين شباب الثورة المدهش المبدع، فهو كل يوم يؤكد أن هذا الوطن يستحق جيلاً جديداً يحكمه ويتصدر المشهد السياسى لبناء حلم الوطن فى نظام سياسى ديمقراطى واقتصادى عادل واجتماعى سليم. لقد سئمنا أولئك الذين يحكموننا من على أعتاب القبور، وبلغوا أرذل العمر ويمسكون بالسلطة باستبداد بغيض انتهت آلياته فى كل دول العالم المتحضر، أولئك الذين كان عليهم أن يستريحوا ويفسحوا المجال أمام الجيل الذى ثار والشباب الذى غير وبدل حال مصر، فإذا بهم بمكر شديد، وقدرة على التلون والتحول يسوقون أنفسهم بأنهم الثوار وأنهم من قاموا بالثورة وهم أحق الناس بها، وهم كاذبون مخادعون واهمون أن أحداً يمكن أن يصدق هذا الكذب. إن حركة «تمرد» بكل فعالياتها هى حركة مشروعة ولا تخالف القانون أو الدستور، ذلك أنه وفقاً لما نص عليه الدستور فى المادة «5» منه: «فإن السيادة للشعب وهو مصدر السلطات»، ومن ثم فإن مواجهة استبداد السلطة حق أصيل للشعب ولا سيما إن تعلق الأمر بحماية أهداف الثورة واسترجاعها ممن خطفها. كما تنص المادة 45 من الدستور على أن: «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير». وفعاليات حركة «تمرد» بكل تأكيد هى تعبير سلمى عن الرأى والفكر وبطريقة سلمية حضارية ديمقراطية، وذلك بجمع التوقيعات الموثقة لسحب الثقة من نظام ورئيس لم يلبِ مطالب وأهداف الثورة، بل يعمل ليلاً ونهاراً بالمخالفة لهذه الأهداف، إن الشباب الذى أيد السيد الرئيس مختاراً أو مجبراً فى عملية انتخابية مشوهة وغير ديمقراطية حيث كان الكثيرون يساقون إليها وكأنهم يساقون إلى الجحيم، هو الآن الذى يسعى لنزع شرعيته وتعريته من الرضاء الشعبى، فلن يكون له حق أبداً فى الانتساب إلى هذه الثورة أو شهدائها أو شبابها. فالرئيس منذ أول يوم أعلن انتماءه لأهله وعشيرته وجماعته يعمل على تمكينها يوماً بعد يوم، يقوم على تحقيق أهدافها المناهضة والمناقضة لأحلام الثورة المصرية، بل والشعب والدولة. إن رياح التصادم بين مشروع جماعة لا يمثل الوطن فى عقلها الجمعى شيئاً مذكوراً وحلم أمة ثار أبناؤها طلباً للخير والحق والعدل والشرف لا تنقطع منذ أول يوم خططت هذه الجماعة لخطف ثمار الثورة والالتفاف على أهدافها. من رحم هذه الأزمة التى خلقتها الجماعة ورئيسها، لن يتوقف إبداع هذا الشعب عن المقاومة وعن التشبث بحقه فى حياة جديدة ونظام حديث يتفق وأحلام ثورته وتطلعات شبابه. إن فعاليات هذه الحركة أصدق مما يزعمونه من شرعية الصناديق، فهى فى حقيقتها صناديق حقيقية لا مواربة فيها ولا شبهة فى التأثير عليها فمن يوقع على هذه الاستمارات بسحب الثقة من رئيس الجمهورية يذهب واعياً مختاراً فلا شبهة لإجبار أو تزوير أو فساد أو إفساد، بل هو مواطن صالح يواجه سلطة مستبدة وليس ككثير من الفاسدين المنافقين المتحولين. إن تداعيات العملية الانتخابية الرئاسية التى أعلنت الجماعة فوز مرشحها فيها فى أوقات السحر والناس نيام ما زالت محل أخذ ورد واتهامات تتهرب السلطة من التحقيق فيها أو تجلية وجه الحق فيها، تبرئة لأنفسهم على الأقل ولحفظ كرامة السلطة التى يمارسونها وإثباتاً للتاريخ أنهم كانوا أحق بها ولكن للأسف يناورون وكأن الأمر لا يعنيهم. إن تهديد الشباب وترويعهم وسجنهم وسحلهم لن يجدى شيئاً، فهذا الجيل لا يخاف، هو جيل ربانى نورانى شجاع يدافع عن حقه وحق وطنه ليس لديه فى الحقيقة الإمكانية أو القدرة على المداهنة أو الملاينة أو البيع والشراء فى بورصة الحكام، إنه أمل مصر كلها -حين ثار- وحين يدافع عن أحلام ثورته فى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية والعيش الكريم. إن جراد السلطة، وإن تتابعت أسرابه، لن يفت فى عضد هذا الشباب أو ينال من همته وإصراره على تحقيق أهداف الثورة، هم يصرون أن ترجع إليهم مصر، وسوف ترجع إليهم. إن الإصرار والعزيمة التى أراها فى عيون هذا الشباب يؤكد أن الأمل فى الغد أكبر مما يتخيله أحد، وأن الثورة ماضية فى تحقيق أهدافها. إن استمرار هذا النظام، وهو يقبض على السلطة وكل يوم تتآكل شرعيته وشعبيته، يعنى أن استمراره فى السلطة عبء عليه، إن مصر تتعافى من أمراض عانت منها وهى لا تدرك خطورتها عشرات السنين، مصر تتطهر استعداداً لكى ترتدى نظاماً ديمقراطياً حديثاً ينجو بها من ويلات التخلف والاستبداد، مصر تنظر بعين الرضا إلى شبابها الذى يتألق يوماً بعد يوم إرضاءً لها، وتتحسر على من غدر بها وقتل أحلام شعبها وسرق ثورتها. انظرى يا مصرنا العزيزة إلى شبابك يفتح صدره للموت دفاعاً عنك، وانظرى إلى حال حكامك، كيف صاروا يعيشون فى حصون لن تحميهم من غضبة الشعب أبداً ستدركهم الثورة وستنتصر عليهم وسيكونون فصلاً فى تاريخك. لقد كان قدرك يا مصرنا العزيزة أنكِ تحاربين نيابة عن البشرية كلها وليس عن العرب والمسلمين فقط لكى تقهرى المستبدين والمعتدين، حدث ذلك أيام الهكسوس والتتار والصليبيين وغيرهم، إن مصر تخوض حرباً ضد الاستبداد والدكتاتورية والاستئثار بالسلطة وخطفها وسوف تنجح فيها، لأن شبابها مبدع، ثار، وتمرد، ولا يدرى أحد ماذا سيفعل غداً، ولكن أياً كان الفعل، فإنه سوف ينتصر بطبيعة الحال، هذا وعد الله وحق الشعب. فليتذكر السياسيون كلهم أنهم قبل الثورة ظلوا عاماً كاملاً يجمعون مليون توقيع، فلم يستطيعوا إلا بشق الأنفس بمن فيهم هذه الجماعة التى تملأ الدنيا ضجيجاً، الآن الشباب فى أقل من أسبوعين جمعوا ثلاثة ملايين توقيع، إنه فى الحقيقة تمرد مشروع ويؤكد أن الثورة مستمرة. والله غالب على أمره، ولله الأمر من قبل ومن بعد.