الفرق الصوفية .. "مدد" في حب الله

"كل القلوب إلى الحبيب تميلُ، ومعي بهذا شاهدٌ ودليلُ، ما الدليلُ إذا ذكرت حبيبه نزلت دموع العاشقين تسيلُ".. صوت أحمد التوني "سلطان العاشقين" تغنى بكلمات المديح غلفه أنغام العود والقانون، تسللت إلى مسماع عشريني، فأخذته في زاوية بعيدة عن العالم المادي إلى الحب اللامنتهي "وَللنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ".
"الإنشاد الصوفي" بين حلقات الإنشاد والذكر والحضرات الصوفية، التي تأتي بكلمات الحب الإلهي والمدائح النبوية ومدح آل البيت، والغناء مع الآلات الموسيقية والأشعار الصوفية للكثير من الشعراء، مثل الحلاج وابن فارض وابن عربي وغيرهم، وهي ظاهرة ليست جديدة، رغم انتشار الكثير من الفرق الموسيقية الصوفية والمغنيين، هربا من العالم المحيط بهم، إلى الحب والسلام الإلهي والتقرب إلى الله.
من حلقات الذكر، خرج ينشد على نهج والده شيخ الطريقة النقشبندية، فأصبح "أستاذ المداحين"، الذي سجل بصوته الجهور أوائل القصائد بصحبة آلة القانون، وهي "قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي" لابن الفارض، ومن أشهر ما قدمه "مولاي" و"سبحانك ربي"، و"أنت عين قلبي"، و"يارب إن عظمت ذنوبي"، و"النفس تشكو" غيرها.
"نصرالدين طوبار".. منشد تميز بصوته الرخيم، يقف منفردا ويغني موالا صوفيا، يبتهل بصوته المميز، يناجي المولى عز وجل، ويمدح محمد رسول الله وآل بيته، قدم أكثر من 200 ابتهال، منها "يا مالك الملك، مجيب السائلين، جل المنادي، السيدة فاطمة الزهراء، غريب، يا سالكين إليه الدرب، يا من له في يثرب، يا من ملكت قلوبنا، ويا بارئ الكون".


"ساقي الأرواح" بمدح رسول الله وآل بيته، كبير شيوخ المنشدين بصعيد مصر، الذي لم يخلو مولد لم يحلق بصوته لساعات متواصلة من الارتجال، بما حفظه من أشعار المديح، بخلفية موسيقية لأصوات الرق والناي والكمان، ولم يكتف بحلقات الذكر والموالد في مصر فقط، فأنشد في عدة حفلات في الكثير من المهرجانات العالمية، منها مهرجان "فريبورج" الدولي للموسيقى الروحية بسويسرا.
تتلمذ الشيخ ياسين التهامي، على يد الشيخ أحمد التوني، واتبع نفس الأسلوب في الإنشاد، إلا أنه أدخل المزيد من الآلات الموسيقية، وقدم أغان صوفية طاف بها صعيد مصر ومحافظات أخرى، فلقب ب"بلبل الصعيد"، ثم خرج إلى دول عربية وأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا، ومن أشهر القصائد التي عشقها الكثيرون، كانت قصيدة الحلاج الشهيرة "والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت".
بعد أن خرجت الموسيقى والأغاني الصوفية للعالم، أسس الشيخ زين محمود أول فرقة للغناء الصوفي في فرنسا Zaman Fabriq، قدم من خلالها المديح والغناء الصوفي باستخدام آلات شرقية، في حالة جديدة خلقتها قدرات صوته المختلفة بمساحات واسعة، وزيه الصعيدي "الجلباب والعمامة"، فأصبح "الشيخ الفرنسي"، واشتهر بعدة أغنيات منها "يبكي ويضحك، تجليت في الأشياء، ومتى تشتفي منك الفؤاد"، كما قدم "السيرة الهلالية".

لم تخل الفرق الغنائية الحديثة من اللون الصوفي، ففرقة "المولوية" واحدة أشهر الفرق الصوفية، التي يقودها المنشد عامر التوني، ومعه راقصون "المولوية"، التي ابتكرها جلال الدين الرومي كتعبير جسدي عن السمو الروحي يصاحب الأدعية والأذكار والقصائد الصوفية.

أما فرقة ابن عربي المغربية، التي قدمت قصائد محي الدين ابن عربي (أحد أبرز شيوخ التصوف في العالم الإسلامي)، في عشق وحب الله بأسلوب معاصر يجمع بين اللحن والكلمات، ومن أشهر أغنياتهم "إن شئتَ أن تقرُب، هو الحُبّ فأسلم بالحشا، أحبك حبين، تُحييَ إذا قتلت، وسَلبت لَيلى مِني العقلَ".
رغم شعبية وشهرة المنشدين والفرق التي ذكرت، إلا أنهم من "المحافظين"، فلم يخرجوا عن القالب التقليدي للغناء الصوفي، وظهرت بعدهم مجموعة جددت الغناء الصوفي ومزجته بالموسيقى الحديثة، مثل الإلكترونية والجاز والميتال وغيرها.
"مشروع مصري" أو كما عرفت بEgyptian Project، الذي قدم الصوفية بشكل مختلف، جمّعت الموسيقى الشرقية والإلكترونية والهيب هوب، تأسست في العام 2010، نتاج تعاون مصري فرنسي، قاده الفرنسي جيروم إيتنجر مع عازف الإيقاع رجب صادق، والكمان سلامة متولى، والمغني السيد الإمام.
تحرر التونسي ظافر يوسف، من القالب التقليدي للأغاني الصوفية، ومزج تنويعات الموسيقى الإلكترونية وآلة العود، وأعلى طبقة بصوته لقصائد الحلاج، وأصدر ألبومين هما "إليكتريك صوفي" و"نبوءة رقمية".