ارتباط التعبد بالفن ظهر واضحاً في الفن الصوفي ، الذي يعد مؤسسه الحقيقي سيدنا " بلال بن رباح " بأذانه العذب، الذي كان يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ليقنل الى شعراء " صدر الاسلام " فكرة الأصوات التغني بالأشعار الإسلامية، ليتطور الأمر بعد ذلك على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان، ويصبح له قوالب متعددة وطرق شتى . تولى أمر هذا الفن بعد ذلك مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، هي الأساس للمنشدين. ، ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوعة منها:" الدعوة إلى عبادة الله الواحد، التمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك " . ازدهر هذا الفن في عصر الفاطميين، وذلك لاهتمام الدولة بالاحتفالات المجتمعية ، فهم أول من أقاموا الاحتفال برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي الشريف، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة أول شعبان ونصفه، وغرة رمضان، ويوم الفطر، ويوم النحر، وهم الذين قاموا بالاحتفال بمولد أمير المؤمنين على بن أبى طالب، ومولد ولديه الحسن والحسين والسيدة زينب، ويوم النيروز (شم النسيم) ويوم الغطاس وخميس العهد مشاركة للنصارى في شعورهم الديني وكانت الأناشيد الدينية عصب هذه الاحتفالات مما دفع المنشدين لتطويرها بشكل غير مسبوق. ظهور الفرق الصوفية المصرية ، لم يكن وليد اللحظة فالطرق الصوفية في مصر أكثر من مائة طريقة ولكل منها أسلوب خاص في تكوين الحضرة والإنشاد التابع لها وهذا جعلها تربة خصبة لانتشار هذا الفن ويختلف الإنشاء الصوفي داخل المسجد عن خارجه، كما تختلف ألحان المدائح النبوية، أما عدد الطرق الصوفية في مصر فهي أكثر من مائة طريقة ولكل منها أسلوبها الخاص في تكوين الحضرة والإنشاد التابع لها. فحاولت الدولة منع الغناء والإنشاد الصوفي ففي عام 1881 صدر منشور رسمي يمنع الغناء أثناء الحضرة فهاج الصوفيون حتى تم تعديل المنشور عام 1905 وسمح بالإنشاد في حلقات الذكر. يقدم الإنشاد الصوفي في حلقات الذكر وجلسات الاستماع وفي احتفالات الطرق الصوفية بالموالد، وله أصوله وتقاليده داخل المجتمع الصوفي، فالكلمات يجب أن تكون دينية خالصة، والموضوع يتمثل في الحب الإلهي والمدائح النبوية ومدح آل البيت وكراماتهم والألحان ذات طابع ديني تسمو بالروح وتبعدها عن الشهوات الدنيوية، ويؤدى المنشد المنفرد موالا صوفيا فيه تتجلى ذروة الفن الصوفي. وبعض الطرق تمنع الإنشاد في المجالس مثل الطريقة النقشبندية والطريقة الخلوتية فهم يتلون أورادهم وأحزابهم في نغم هادئ دون الاعتماد على الإنشاد، أما الطريقة العروسية الشاذلية فهي لا تبيح استخدام الآلات الموسيقية، بينما يحتل الإنشاد مساحة كبيرة في الحامدية الشاذلية والطريقة الشبراوية ، والطريقة الجازولية الحسينية. وتعتبر فرقة "المولوية"، من أشهر الفرق الصوفية، ويقودها المنشد عامر التوني، وتتميز هذه الفرقة بالدوران حول مركز دائرة يتمثل في منشدهم أو شيخهم ويندمجون جميعا كالجسد الواحد ويرتقون بصفاء فيهجروا العالم المادي ويسبحون إلى الوجود الإلهي. وفي يوم الثلاثاء من كل أسبوع يستقبل بيت السحيمي علي مدار ثلاث ساعات فرقة النيل للإنشاد الديني كما اعتادت الفرقة منذ أسسها رائد الفن الشعبي المعاصر المخرج عبدالرحمن الشافعي في الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، ليتواصل مع محبي الإنشاد الديني حيث كان الإنشاد يقتصر علي الحفلات الخاصة وموالد أولياء الله الصالحين. أما فرقة أبن عربي العالمية فقررت إحياء ليلة النصف من شعبان في قاهرة المعز بتصريح من عبد الله منصور منشد الفرقة وأنهم يستعدون لإحياء مجموعة من الحفلات في القاهرة الشهر الجاري . وقد مزج انتصار عبد الفتاح مؤسس فرقة سماع للإنشاد الديني بين الفن الصوفي والترانيم المسيحية، ليخرج إلينا بفرقة من أجمل الفرق التي يمكنك سماعها فتتجسد فيها سماحة الأديان حيث يذيب الفن كل الفوارق ليتحدوا معاً ليتحدثوا لغة واحدة وهي الغناء الروحاني المنزوع منه كل الشهوات. ولم يقتصر هذا الفن علي الفرق فقط، فيستعد المنشد الصوفي زين محمود للقدوم إلى مصر الشهر القادم لتقديم حفلات له في شهر رمضان، وقد أسس مدرسة لتعليم فن الغناء الشعبي بمارسيليا مكان إقامته فورث أباً عن جد فن المديح، ولقبه بين محبيه الشيخ الفرنسي ومن أشهر أعماله الأغنية الشهيرة يبكى و يضحك من فيلم باب الشمس. وفقدت مصر هذا العام في مارس الماضي ساقي الأرواح الشيخ أحمد التوني المداح الصوفي وكبير شيوخ المنشدين بمصر والعالم العربي الذي أستطاع بأدائه وتفوقه على نفسه، أن يصبح نجماً في سماء الموسيقي الروحية، وأن يخرج بالغناء الصوفي من المحلية إلى العالمية، وقد عشق التوني مدح رسول الله وآل بيته الكرام ومن أهم أغانيه "الله محبة" والتي انتشرت انتشار ضخماً بين أوساط المصريين من مسلمين ومسيحيين على حد سواء.