ليس شراً مطلقاً، هكذا يصف الخبراء والمواطنون و9 أشهر من حكم الإخوان والرئيس محمد مرسى، بعضهم يقول إن هناك مكاسب، ليست كالتى يتحدث عنها «الإخوان» وميليشياتهم الإلكترونية ولا عبر وسائل إعلامهم، لكنها مكاسب من نوعية «توحيد المعارضة فى مصر سواء على مستوى الأداء أو الهدف»، «إعادة تصحيح مفهوم الدين لدى عموم المصريين».. «إعادة فرز المجتمع المصرى والكشف عن أمراضه تمهيداً لعلاجها». «وإذا أراد الله نصرة عبده.. كانت له أعداؤه أنصارا».. يعبر البيت الشعرى وبدقة عن حال المصريين، الذين تحالفوا دون إرادة منهم، وعلى غير العادة، يجمعهم هدف ويظللهم نداء «يسقط يسقط حكم المرشد»، فى مشهد تجاوز تحالف المصريين على إسقاط نظام مبارك، إذ اتحد الجميع «ليبرالى»، «علمانى»، «يسارى»، «اشتراكى»، «تقدمى» وحتى من يصفونهم ب«الفلول» لتحقيق الشعار «لو ضد الإخوان اضرب كلاكس».. الآن فقط أصبح للمعارضة جبهة موحدة فى الشكل والأداء وإن اختلفت فى التفاصيل، وأصبح للمعارضة مشروع يخطون نحوه بخطوات حقيقية، تتسع هذه الجبهة وهذا المشروع لكل الفصائل عدا الإخوان وكل من ينتمى إليهم، لا يقتصر الأمر على اتحاد المعارضة، بل تعدى ذلك إلى إعادة فرز المجتمع المصرى، «حزب الكنبة» و«الديمقراطى» و«الدينى» و«القوى الثورية» و«الإخوان» كلها فصائل ظهرت على سطح المجتمع تتنافر وتتجاذب حسب الأداء، وتصحح بنفسها كل ما هو مغلوط عنها أو مبالغ فيه. فى نوفمبر الماضى وكنتيجة للإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، شُكلت «جبهة الإنقاذ الوطنى» من أكثر من 30 حزباً مختلفاً، على قمتها «التيار الشعبى المصرى» وهو تجمع سياسى أسسه ويتزعمه حمدين صباحى المرشح الرئاسى السابق، وضمت «الجبهة» أحزاب «الدستور» الذى تأسس ليكون جامعاً للطيف الشبابى الثورى، وحزب «التحالف الشعبى الديمقراطى» يسارى التوجه، وحزب «الجبهة الديمقراطية» وهو حزب ليبرالى تقدمى، وحزب «المصريين الأحرار» ذو المرجعية الليبرالية، علاوة على «الاشتراكيون الثوريون» وهى منظمة شيوعية مصرية، فضلاً عن حزب «المؤتمر» الذى يرأسه عمرو موسى والذى يتعرض لاتهامات بأنه «امتداد للنظام السابق». 75 حزباً مصرياً، منها 12 حزباً داخل جبهة الإنقاذ، حسب عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى، الذى أكد أن ما يبدو من اتحاد المعارضة ليس كاملاً على الأرض، فما زال هناك كثير من الخطوات كى توصف المعارضة بأنها متحدة بالفعل، حتى وإن بدت متحدة الآن، لكنه اتحاد ناقص. «شكر» أكد أن الأصل فى التحالفات أن تكون ذات أيديولوجية واحدة «لكن هدفنا دلوقتى هو الوقوف أمام الاستبداد الذى تمثله جماعة الإخوان وممثلها فى السلطة الدكتور محمد مرسى»، بدأ التحالف، حسب «شكر»، مع صدور الإعلان الدستورى، ورغم إلغائه بعد ذلك فإن الجبهة فضلت الاستمرار بسبب مُضى السلطة قُدماً فى وضع الدستور عن طريق جمعية غير منتخبة، الأمر الذى دفع أحزاب الجبهة لعدم تفتيتها، يؤكد رئيس حزب التحالف الديمقراطى أن الجبهة تطالب بحكومة مستقلة وضمانات لإجراء انتخابات نزيهة. «قبل حكم الإخوان، كانت التيارات السياسية مختلفة فيما بينها، رفض مرشحوها الانضمام معاً فى كيان واحد ليخوضوا الانتخابات الرئاسية، الأمر الذى نجم عنه خسارتهم جميعاً، وبعد تولى مرسى رئاسة الجمهورية، أدركوا فداحة الأمر، وبدأوا فى الاتحاد» حسب المستشار محمد الوصيف، رئيس حزب مصر الفتاة، رئيس لجنة الدفاع عن الحريات، الذى يؤكد أن الغباء والطمع والتخبط الناجم عن عدم الدراية بشئون الدولة، هى الأسباب الحقيقية لتوحيد المعارضة، فبعد الانتخابات الرئاسية أدرك الشعب، حسب «الوصيف»، أن الإخوان ليست لديها الخبرة ولا القدرة على حكم مصر «مسكوا أجندة مبارك وبيطبقوها بحذافيرها دون أى وعى» ويؤكد رئيس الحزب أن الإخوان تعمل ضمن منظومة عالمية متوحشة مهمتها «نهب» مقدرات الأمة والاستحواذ على ثرواتها الطبيعية، وإهداؤها إلى حلفائهم من «القطريين والأوربيين» مشيراًً إلى أن الأحزاب «تتفق جميعها على مبدأ واحد هو العداء للإخوان». «ليس لجبهة الإنقاذ مسمى فى علم السياسة» قالها الدكتور جهاد عودة أستاذ السياسة بجامعة حلوان، فالأحزاب داخل الجبهة ليست فى تحالف ولا ائتلاف، مؤكداً أن المعارضة «مش متفقة على حاجة واحدة»، يصف عودة جبهة الإنقاذ الوطنى بقوله «مش موجودة فى الشارع» مؤكداً أنها لا تستطيع منع تشكيل حكومة، ولا استخدام سطوتها فى معارضة بيروقراطية الدولة «يعنى من الآخر ملهاش لازمة». «الجامع الجامعة»، هكذا يطلقون على الأزهر بكلياته التى فاق عددها ال 80، رغم الحملات الشرسة التى تُشَن من قبل الإخوان على علماء الأزهر، إلا أن الجميع يعرف قيمته. ويقول الدكتور محمود مهنى محمود عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن فكر الأزهر «وسطى معتدل لا مغالاة فيه»، وحكام اليوم يعتقدون أن الدين ملكهم وأن بيدهم الجنة والنار، رغم أن فكرهم يقترب من فكر «الشيعة اللى بيحاربوهم» فلابد من التشيع لهم والالتزام ب«التقية»، وهو الفكر الشيعى الذى يقول إن «من لا يواليهم فليس منهم»، ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء أن ما حدث فى زمن ما بعد الثورة من ظهور لشيوخ الفتنة والفضائيات الذين يفهمون الدين الإسلامى الحنيف فهماً خاطئاً زاد من تقدير الشعب المصرى للفكر الأزهرى الوسطى المعتدل «كل واحد حفظ سورة أو اتنين بقى شيخ، وهذا خطأ كبير». وتعتبر الدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، أن الفترة التى حكم فيها الإخوان أسهمت بشكل كبير فى رفع الوعى الشعبى، فمنذ قديم الأزل، والشعب المصرى يكنّ للدين مكانة خاصة، وينظر للإخوان بوصفهم «مظلومين ومقهورين» إلا أن الوضع الحالى أسهم فى إعادة فرز المجتمع، ليس من ناحية المشاركة فى الثورة وحسب لكن من الناحية الدينية، منذ عدة أشهر، لفت انتباه الدكتورة منال المظاهرة المقامة أمام منزل السفير الإيرانى من قبل بعض القوى السلفية والتى رفعت شعار «حب السلطة وباع الدين» والذى كان المقصود به، حسب منال، الدكتور محمد مرسى، فالهتافات المعادية للشخص الذى أعتقد المصريون أنه راعى الدين تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن «الشعب كان مغشوش». فى ليلة ظلماء، إلا من نور أجهزة الموبايل التى يحملونها، جلست الأسرة تدير حواراً يغنيهم عن حوارات برامج «التوك شو» التى اعتادوا مشاهدتها يومياً، وجاءهم انقطاع التيار فى توقيته، لم يكن حوارهم سياسياً، لكنه بدا كذلك حينما افتتحته الأم «آمال» بالحسبنة على الإخوان والرئيس «ربنا يضلّمها فى وشه زى ما ضلّمها علينا».. آمال كانت إحدى الأصوات التى رجحت أسهم «مرسى» فى الانتخابات، ليس عن دراية بالإخوان، لكن عن كراهية لشفيق «من اللى سمعته عنه وقتها كرهته».. انتخبت «مرسى» فى المرتين، وندمت عليهما، وهى تؤكد لأبنائها وزوجها «هما اتمسكنوا لحد ما اتمكنوا، بس الحمد لله ربنا كشفهم بدرى، أصلهم أغبياء ضيعوا اللى عملوه فى 80 سنة فى 9 شهور».. حديث آمال قابلته موافقة من الأسرة، الزوج الذى لم يزل يشارك فى مظاهرات ضد أخونة الأوقاف، والابنة التى تدرس فى جامعة الأزهر وترى بعينيها ما أصاب زملاءها -فى قسم الطلاب- من تسمم بسبب وجبة ومحاولات النيل من الأزهر، والابن الذى تخرج مهندساً دون أن يجد عملاً، وطالب الثانوية العامة الذى قرر أن يشارك زملاءه فى المظاهرات من أجل إصلاح حال البلد وتحقيق مطالب الثورة. لا يرى المهندس حسام كمال الدين، (29 سنة) مكتسباً ولو واحداً لفترة حكم الإخوان، والتى طالت من وجهة نظره ل 9 أشهر، إذ يؤمن أن أداءهم أسقطهم من الشهر الأول، وخاصة حادث رفح وشهداء الحدود، يشير الشاب العشرينى إلى أن ما يحدث الآن على الساحة من اقتتال من أجل السلطة «هيودى البلد فى 60 داهية»، مؤكداً أن المصريين يعتبرون الأزهر «هو المنارة السنية الأولى، حتى قبل ما الإخوان يتولدوا» واصفاً الشعب المصرى بأنه «فهلوى بطبعه» يستطيع أن يميز وبسهولة «الصح من الغلط»، فيما يرى فتحى عبدالله الحسينى؛ الرجل الخمسينى أن «الثورة مستمرة ضد كل الظلمة» وأفرزت للشعب «حقيقة الإخوان المستترة وراء وداعتهم» مشيراًً إلى أن الأمر سينتهى قريباً برحيل «مرسى وأتباعه»، متوعداً: لن يقوم للإخوان قومة تانية فى مصر.. «والأيام بيننا يا ابنى».