تسمية «الفتنة الطائفية» إن دلت على شىء فهى تدل على أن النخبة المدنية وافقت ضمناً على تديين القضية. إذا أضفنا إلى ذلك «الحلول العرفية» فهذا يعنى أننا نعود إلى ما قبل الدولة. أما أن تعتمد النخبة المدنية على «بيت العائلة» فهذا يعنى أننا نعود لما قبل الدولة الحديثة! ولا أحد يهتم بأن الدولة تتفكك والأمة تتحلل، والسنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك شهدت انتهاء العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى، ونحن ما زلنا نتحدث خطاباً قديماً عن توصيات العطيفى أو لجنة العدالة الوطنية .. إلخ، وما حدث أمام الكاتدرائية ومن قبلها مؤسسة الأزهر مؤشرات تنبئ بما لا تُحمد عقباه. منذ أكثر من ثلاثين عاماً أتابع قضايا المواطنين المصريين الأقباط، تارة كصحفى وأخرى كباحث، ولاحظت أن لا أحد ينظر إلى تلك القضية من منظور أزمة الدولة المدنية الحديثة، ولم يلحظ أحد أن أول تجليات الأزمة كان عام 1910 «المؤتمر القبطى» ومن 1910 وحتى «أحداث العمرانية» 2010 مضى قرن من الزمان، وتبوأ الحكم فى مصر أربعة ملوك (عباس حلمى، حسين كامل، فؤاد، فاروق) وثلاثة رؤساء (عبدالناصر، السادات، مبارك). شهد هذا القرن (65) حكومة، (42) فى العصر الليبرالى منذ حكومة بطرس غالى باشا 1910 وحتى حكومة على ماهر باشا 1952 بتكليف من الملك فاروق، و(7) حكومات فى عهد ناصر، و(7) فى عهد السادات، و(9) حكومات فى عهد مبارك، كل ذلك والمشكلة الطائفية قائمة بشكل أو بآخر. فى العصر المسمى الليبرالى، وفى فبراير 1934، فى حكومة عبدالفتاح يحيى باشا أصدر العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية الشروط العشرة لبناء الكنائس التى سببت 76% من الأحداث الطائفية. ارتبط ذلك بإسقاط دستور 1923 وإعلان دستور صدقى 1930 وظهور جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها مع صدقى.. بل وفى ظل زخم زعامة النحاس للأمة تم «تجريس» حزب الوفد فى الأربعينيات من القرن الماضى على أنه «حزب نصرانى». أسس لهذه الحملة أيضاً الإخوان المسلمون، وللأسف شارك فيها كتاب كبار مثل العقاد، والأخطر أنه فى ظل حكومة الوفد 1950 لأول مرة بعد ثورة 1919 تم حرق كنيستين إحداهما فى السويس والأخرى بالزقازيق وسقط قتيلان من الأقباط. ومن العصر الليبرالى إلى العصر الناصرى، لم تشهد المرحلة أى اعتداءات على أقباط أو على الكنائس، ولكن تم إضافة خانة الديانة للبطاقة الشخصية، الأمر الذى انسحب إلى العديد من الوثائق الأخرى، كما تم حرمان الأقباط من الوظائف العليا فى بعض أجهزة الدولة مثل المخابرات العامة.. ناهيك عن تحويل جامعة الأزهر من جامعة دينية إلى جامعة مدنية يقتصر القبول فيها على المواطنين المسلمين رغم أنها تمول من أموال المصريين مسلمين وأقباطاً. ثم جاء مشروع السادات بالتحالف مع الإخوان لضرب الناصريين والماركسيين.. وانتقلت ظاهرة الإخوان المسلمين والتديين من خارج النظام السياسى إلى داخله، وتسللت إلى قمته.. وعبر الانفتاح الاقتصادى ضرب السادات الأساس الاجتماعى للمشروع الناصرى، وبدأت البطالة تطل برأسها، وبدأ تهميش الصعيد، مما مهد الطريق اجتماعياً للإرهاب، فى عصر مبارك، خاصة العشر سنوات الأخيرة. لم تعد الدولة مدنية ولا حديثة، بل صارت دولة مملوكية (ظهر مشروع التوريث). وعكس ما يتصور الجميع كانت هذه المرحلة هى العصر الذهبى للإخوان، حيث تم تمكينهم اقتصادياً (السيطرة على 55% من تجارة العملة، وبلغت عمليات المضاربة وغسيل الأموال أقصى مدى. وعلى الصعيد السياسى وافق الإخوان على التوريث مقابل التمكين فى مجلس الشعب، إضافة إلى التمكين الدولى وتأسيس التحالف الإخوانى الأمريكى!!