كان عمنا العظيم بيرم التونسى يردد عبارة تقول «إسكندرية تغيب تغيب وتنقح» وكان شاعر الشعب الخالد دائم المجاهرة بعشقه لعروس البحر الأبيض المتوسط إسكندرية التى ولد ونشأ وتربى فيها، ويبدو والله أعلم أننى ورثت عشق الإسكندرية عن أستاذى ومعلمى بيرم، كما ورثت عنه شعر العامية المصرية ببركة دعاء أمى هانم عليها السلام، وفى ترحالى المستدام -بلاد الله خلق الله- كنت أحرص دائماً على زيارة المدن الساحلية فى كل دولة أزورها: لبنان، قبرص، الجزائر، فرنسا، ليبيا، فرأيت بيروت وليماسول ووهران ومارسيليا وطرابلس وبنغازى، وكلها مدن بالغة الفتنة والجمال، ولكنها كلها ليست كالإسكندرية معشوقة بيرم ومعشوقتى -بالوراثة- ليس فى هذا العالم إلا إسكندرية واحدة وحيدة هى إسكندرية بيرم التونسى ومن سار على دربه من العشاق المهاويس بعروس البحر الأبيض المتوسط «إسكندرية المصرية». وفى السبعينات من القرن العشرين الماضى نادتنى الإسكندرية فلبيت النداء، حيث التقيت هناك بآل عيسى وآل بلبع وتعرفت على زوجتى السابقة السيدة عزة بلبع وتزوجتها وعشنا معاً فى حضن الانتفاضة المجيدة لطلبة مصر المحروسة، لإرغام الرئيس أنور السادات على دخول الحرب ضد العدو الصهيونى لتحرير سيناءالمحتلة؛ تحقيقاً لمبدأ «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» الذى أعلنه جمال عبدالناصر آنذاك قبل أن يرحل ويترك الجمل بما حمل لأنور السادات، الذى لم يستتب له الحكم إلا بعد مذبحة 15 مايو 1971 التى دبرها فى الخفاء بمساعدة محمد حسنين هيكل وتخلص بها من كل رجال عبدالناصر، وعلى رأسهم على صبرى نائب رئيس الجمهورية وشمس بدران وزير حربية المشير عامر الذى لم يعرف حتى الآن هل انتحر أو انتحروه، وسامى شرف الذى كان مديراً لمكتب رئيس الجمهورية الذى هو الزعيم الخالد الراحل جمال عبدالناصر، وقبل هذا وذاك وبعد هذا وذاك شعراوى جمعة العجيب، بعبع الثقافة والمثقفين وفى نفس الوقت صديق المبدعين، ولا تتعجب يا أخى إنها إرادة الله ودهاء هيكل وغدر السادات، ودول كلهم كان اسمهم «ثورة التصحيح» يعنى فيلم هندى كتب له السيناريو محمد حسنين هيكل وأخرجه أنور السادات غيّر مجرى الأحداث فى مصر المحروسة، وحوّلها من دولة رائدة فيما كان يعرف به معسكر عدم الانحياز إلى جانب الهند ويوغوسلافيا إلى كيان هزيل يسير فى نهاية طابور الأتباع خلف أمريكا وإسرائيل! كانت هذه الأفكار تملأ رأسى وأنا فى طريقى إلى دار ميريت لزيارة ابنى وصديقى محمد هاشم صاحب الدار، الذى سوف أفرد له مساحة أقدمه من خلالها إلى قرائى الأعزاء فيما بعد، وعندما فتح الباب استقبلنى بونش اللعين بالزفة التقليدية وبونش هو أحد كلاب الحراسة التى يقتنيها محمد هاشم فى دار ميريت، مش عارف ليه؟! وبعد الانتهاء من حفل الاستقبال رأيت امرأة جميلة تجلس على يمين الداخل وشابين تقريباً عرفونى بأنفسهم أنهم فرقة فنية إسكندرانية يكتبون ويلحنون ويغنون لمصر المحروسة على نهج الشيخ إمام، وهذه الفرق انتشرت على مساحة الوطن العربى وخصوصاً فى أرض فلسطينالمحتلة، وقد عرفت أن المرأة الجميلة اسمها أمانى سعيد محفوظ وأنها شاعرة موهوبة وأنها أنهت أخيراً قصيدة بعنوان «ميتين اللى جابوكى»، وحين قرأت قصيدتها تلك أبكتنى ثم تكرمت وأهدتنى نسخة منها على أمل أن أنشرها فى صحيفة «الوطن» التى أكتب فيها أسبوعياً، وأنا رأيى أن هذا لا يكفى وربنا يقدرنى أقدمها للناس بشكل يوازى ويساوى موهبتها، أما القصيدة فسوف تفرض نفسها فى الزمان والمكان اللذين تستحقهما، أما عن الثوار الذين ضحوا بأرواحهم وضياء عيونهم فتقول أمانى الجميلة: اللى صرخ باستغاثة واللى قاعد ع القهاوى زى كرسى مالكش عازة واللى كان عسكر فى خدمة كالدبيحة خد جزاه واللى كان بالأمس بينا والنهاردة إحنا فى عزاه آه يا إسكندرية يا حبى الخالد يا أم النديم وبيرم وسيد درويش و.. ومتعدش.