بعد اتهامه لعودة بالعمالة لأمن الدولة.. مثقفون غاضبون لنجم: «يا راجل حرام عليك» أثارت اتهامات الشاعر أحمد فؤاد نجم، للمفكر الكبير، محمد عودة، فى مذكراته، بأنه «اقترف وشايةً» عليه بجهاز أمن الدولة، وسلّم قصيدة نجم الشهيرة «التحالف» للجهاز.. أثارت الوسط السياسى والثقافى، وهاجم كتاب ومفكرون ما قاله نجم على صفحات «الصباح»، معتبرين أنه يحاول تشويه كل الذين يختلف معهم، لكن نجم أكد مجددًا أنه يقول الحقيقة، كما رآها. وقال نجم فى مذكراته: «إن عودة طلب إليه أن يكتب قصيدته التحالف على ورقة، بدعوى نشرها فى الصحف، لكنه فوجئ بعد أسبوعين بأن تم استدعاؤه من قبل أمن الدولة، ومثوله للتحقيق أمام حسن أبوباشا، رئيس جهاز أمن الدولة، الذى أصبح وزيرًا للداخلية فيما بعد. وتثير مذكرات نجم، وما فجرته من جدل، تساؤلًا قديمًا جديدًا عن العلاقة بين المثقف والسياسى، والخط الفاصل بين أن يكون للمثقف دور ما، أو علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع صناع القرار، وبين أن يتحول إلى أداة بين يدى السياسى، لترويج أفكاره حينًا، ول«التخابر» لصالحه حينًا آخر، كما فى حالة نجم وعودة، وما أثارته من التباس. وهاجم مفكرون وأدباء، ما جاء فى مذكرات نجم، واعتبروا رواياته واهية، لا تستند إلى دليل، لأن نجم لم يقل إنه رأى محمد عودة يقدم القصيدة بنفسه إلى أمن الدولة، وهذا أمر لا يليق، بشاعر كبير مثل نجم، ولا يجوز أن نهاجم قيمة وطنية وفكرية وأخلاقية كبرى مثل عودة، خصوصًا أن عودة فى ذمة الله، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. تحية عبدالوهاب: كلام «بايخ» *الكاتبة تحية عبدالوهاب، انتقدت ما أدلى به نجم، ووصفت هذه الجزئية من مذكراته ب«الكلام البايخ والعبيط»، ولا يليق أن يرمى نجم الاتهامات هكذا، كما قالت. وأضافت أن تاريخ المفكر الكبير محمد عودة، معروف للجميع، ولا أحد يرضى بالتقليل من شأن «هذه القامة المصرية»، وتساءلت عن السر وراء صمت نجم طوال السنوات الماضية، عن هذا الكلام، ولماذا لم يكشفه لما كان عودة حيا؟ وقالت: «إن محمد عودة، لم يكن له علاقات مع حسن أبوباشا، ولم يتعرف عليه إلا بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، بوقت طويل، حيث عرفهما على بعضهما البعض، الكاتب الراحل محمود السعدنى، وكان أبوباشا، قد خرج من الوزارة. واستنكرت القول بأن مفكرًا كبيرًا مثل عودة يعمل جاسوسًا لأمن الدولة، مؤكدةً أن العلاقة الإنسانية التى جمعتها لسنوات طويلة بعودة، تدفعها لقول هذا الكلام بمنتهى الثقة والاطمئنان.. واختتم بقولها: «عيب جدا كلام نجم.. دى صفاقة». جمال الغيطانى: عم نجم «له شطحات» *الكاتب الكبير جمال الغيطانى، لم يخالف تحية عبدالوهاب، حيث علق مستهزئًا «عم نجم له شطحات»، وأى كلام ضد عودة، لا يجب أخذه على محمل الجد، مضيفًا «أكيد الراجل مايقصدش». وقال الغيطانى: أنا من تلاميذ محمد عودة، ولا أحسب أن الرجل فى حاجة لاستخراج شهادة حسن سير وسلوك، أو دليل على وطنيته من «عم نجم»، ويكفى أن مفكرًا كبيرًا مثله، عاش فقيرًا ومات فقيرًا، ولو أراد أن يكون بوقًا للسلطة، لما وجد صعوبة فى الأمر، بل إن السلطة كانت تتهافت على كسب ود عودة، لكن كان يرفض. عبدالمنعم تليمة: رواية مضطربة *الناقد عبدالمنعم تليمة، رأى من جانبه أن ما جاء فى مذكرات نجم، يمثل دليلًا على أن الرجل «كثير الشكوك»، وعلينا أن نلتمس له الأعذار، فقد عاش سنوات طويلة مطاردًا أمنيا. وقال: إن كل الذين اقتربوا إلى عودة يعرفون أخلاقه جيدًا، ولسنا فى حاجة لأن نشكك فى رمز وطنى كبير «عشان خاطر نجم»، موضحًا أن الرواية التى ذكرها نجم تحمل أكثر من تأويل، معربًا عن اعتقاده بأن «نجم غاوى شهرة وفرقعات»، ومن ثم يقوم من حين لآخر، باختلاق أى قصة لجذب الأضواء. وأضاف أن عودة عاش «قديسًا فى حب مصر ومات كما عاش، وليس لائقًا طعن الرجل فى وطنيته بعد رحيله». صلاح فضل: بلاش كلام فاضى *الناقد الكبير، صلاح فضل، بدا فى غاية الغضب لدى سؤاله عن مذكرات نجم، حيث امتعض وجهه، ثم قال: «بلاش كلام فاضى.. ده مستحيل». وقال: «عرفت الراحل عن كثب، ورأيت على مدى سنوات طويلة، نموذجًا لاستقامة الفكر ونقاء الضمير، وهذا الكلام مرفوض جملةً وتفصيلًا، وعلى أحمد فؤاد نجم، ألا يرمى الشرفاء بالباطل، وحسب الرواية ذاتها، لا يوجد دليل دامغ بإدانة نجم. عزة بلبع: اتهمنى بنفس التهمة *المطربة والناشطة السياسية عزة بلبع، أكدت أن نجم يهاجم الناس إذا اختلفوا معه سياسيا أو فكريا، وما فعله مع محمد عودة، سبق أن فعل مثله ضد الشاعر الكبير سيد حجاب. وقالت بلبع وهى زوجة سابقة لنجم: إن معارك نجم لن تنتهى، فقد اختلق معارك وهمية واهية، مع كل من الشاعر الراحل صلاح جاهين، وعبدالرحمن الأبنودى وغيرهما، إلى درجة أنه اتهمنى شخصيا بأنى «عميلة أمن دولة».. وأضافت أنه خيال الشعراء فيما يبدو الذى يصور لنجم أشياءً وهمية ثم يصدقها.
أشكرك من كل قلبى وجوارحى على عتابك الأليم الشافى فى نفس الوقت، لأنك أزحت عن قلبى هما مؤلما وشكا طالما عذبنى وأرهق مشاعرى، ولعلك لا تعرفين يا «أمونة» العلاقة التى كانت تربطنى بمحمد عودة الذى كنت أحبه وأتشوف دائما للقائه والائتناس به دائما وخصوصا فى أوقات الوحشة والتوجس، لأن عودة كان بالنسبة لى ضرورة حياتية ولكنى عندما أكتب مذكراتى التزم بالمبدأ الذى أعلنته منذ الحلقة الأولى التى نشرت فى روز اليوسف والمبدأ يقول (اللى شفته ح أقوله من طقطق لسلامو عليكو، عجب كلامى اشترى ما عجبكش الكلام بين الشارى والبائع يفتح الله... إلخ». لقد عشت يا أمينة فى كابوس بعد رؤية هذه الورقة مع حسن أبوباشا لأننى لا أحب محمد عودة فقط بل أعتبره من الأشياء الجميلة التى مرت فى حياتى والآن وبعد قراءة عتابك الحميم وتفسيرك لوجود هذه الورقة مع هذا الجلاد زى ما تقولى كده غرقان وأتعلق بقشاية طبعا يا أمينة لا يمكن أن يكون محمد عودة هو الذى أعطى هذه الورقة للمدعو حسن أبوباشا وطبعا أى تفسير ينفى هذا الفعل الصغير عن هذا الإنسان الكبير أنا معه على طول الخط.. فشكرا يا صديقتى العزيزة على الراحة النفسية التى قدمتها لى وأنا غارق فى بحر الشك والألم. أشكرك يا «أمونة».
نجم.. شاعر البسطاء ومفجر البراكين
أينما يكون الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، يثِر المشكلات، ويعلن عن الزوابع، ويفجر البراكين. شاعر ثائر، ورجل بسيط، لا يتخلى عن الجلابية، يرى نفسه لسان حال البسطاء، الذى يعبر عن أحلامهم ويترجم آلامهم شعرًا غاضبًا باكيًا، لا يهاجم السلطة، ولا يهادنها. ولد نجم «23 مايو 1923» بمحافظة الشرقية لأم فلاحة أمية وأب يعمل ضابط شرطة «محمد عزت نجم» وكان ضمن سبعة عشر ابنا. بدأ حياته فى ظروف شاقة، خاصة بعد وفاة والدته، فالتحق بملجأ أيتام سنة خرج منه وعمره 17 عامًا، فعمل خادما فى بيت عمه الذى طرده بعد فترة قصيرة، كما عمل بعد ذلك فى معسكرات الجيش الإنجليزى متنقلا بين الكثير من المهن ما بين بائع وعامل بناء وخياط. التقى خلال هذه الفترة بعمال المطابع الشيوعيين وكان قد تعلم القراءة والكتابة، ثم خرج معهم بعد ذلك فى المظاهرات التى اجتاحت مصر عام 1964. تأثر نجم برواية الأم ل«مكسيم غوريكى» فنقلت كتابته من السطحية إلى العمق، وهو يعترف بأنه لم يكن قد كتب شعرا بمعنى الشعر وإنما كانت كتابته شيئا يشبه الأغانى وخواطر الحب. خرج بعد ذلك مع 90 ألف عامل من معسكرات الإنجليز، ثم اشتغل بعد ذلك عاملا فى السكك الحديدية فى الفترة 1951 إلى 1956. وعمل بعد ذلك فى وزارة الشئون الاجتماعية يوزع البريد على العزب والكفور والقرى، وهى المرحلة التى رأى فيها الواقع المرير الذى يعانيه الفلاحون بعد أن دخل فى تعامل مع كل فئات المجتمع. انتقل سنة 1959 من البريد إلى النقل الميكانيكى فى العباسية، وقد اعتقل فى أحد الأيام هو وأربعة من العاملين المتهمين بالتحريض والمشاغبة وتم ضربهم بقسوة داخل قسم البوليس ومازالت ل «العلقة الساخنة» آثارها على جسده حتى الآن كما يقول. اتهم نجم بتزوير مستندات شراء أثناء عمله بورش النقل الميكانيكى التى عينته بها حكومة الوفد، وقد أوضح هذا الأمر حينذاك أنه اعترض على محاولات بعض المسئولين سرقة المعدات من الورش فدبروا له المكيدة. التقى نجم بالشيخ إمام بعد خروجه من السجن 1962 وانتقل بعدها الشيخ إمام للسكن مع نجم بحوش آدم وبدأ الثنائى فى العمل الغنائى فى تلك الفترة، واتسعت شهرة نجم بعد هزيمة 67 بعد أن كتب قصيدة ينتقد فيها الضباط العائدين من الجبهة ولحنها الشيخ إمام، بعدها ذاع صيت الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم واعتقلا بعد الفشل فى السيطرة عليهما من قبل وزير الداخلية «شعراوى جمعة» الذى وضعهما فى المعتقل حتى خرجا بعد وفاة عبدالناصر وواصل نجم انتقاده للسادات وسجن على عهده عدة مرات. وحتى الآن مازال نجم يواصل كتابة قصائده التى ينتقد فيها النظم التى لا تؤمن بحرية الإنسان، وكانت آخر قصائده التى وجهها للرئيس محمد مرسى «يا أجهل شعوب الأرض».
محمد عودة «غاندى» الثقافة العربية
غاندى الثقافة العربية، كما كان يطلق عليه، يعتبر واحدًا من المثقفين الأكثر تمسكا بالمبادئ، ومعارضة السلطات، فسجنه الملك فاروق ثم عبدالناصر فالسادات ولم يكن على وفاق مع الرئيس السابق حسنى مبارك. ولد محمد عودة فى قرية جهينة، عام 1920 محافظة الشرقية، كان والده أحد أهم كبار تجار القطن. لننتقل إلى حى الحسين بالقاهرة بعد الأزمة الاقتصادية التى تسببت فى إفلاس والده، والتحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية «خليل أغا» التى أنشأها كبير الأغوات فى عهد الخديوى إسماعيل، التحق بعد ذلك بالمدرسة الثانوية «السعيدية»، وكان من ضمن الطلاب الذين تلقوا التعليم المجانى. التحق بكلية الحقوق، وكانت هذه مرحلة فارقة بالنسبة له، حيث رأى أن ما يدرس داخل الجامعات لا علاقة له بما يدور على أرض الواقع. بعدها تخرج فى كلية الحقوق إلا أنه لم يكن يرى أن هذا هو حلم الأسرة، فقد حاول أن يلتحق بكلية الآداب إلا أن ظروف الحياة منعته، فعمل محاميا وأخذ على عاتقه قضايا الفلاحين والفقراء حتى عرف بمحامى الأرياف. عمل فيما بعد بالصحف الصغيرة كانت أولها «مسامير الجيب»، وبعد غلقها انتقل إلى الجمهور «المصرى»، ثم «الشعب»، وكان يرأسها صلاح سالم، ثم عمل بدار الهلال وانتقل إلى روز اليوسف، ثم مجلة صباح الخير. كان فى بدايته وفديا، تأثر كثيرا بالنحاس باشا ومكرم عبيد، إلا أنه اتجه إلى اليسار وتحول إلى الناصرية. بدأ مشواره بكتاب عن الصين عام 1952، وقد تم رفضه فى البداية إلا أن الرئيس جمال عبدالناصر قد وافق على طباعته فيما بعد، رغم أنه كان من مؤيدى ثورة يوليو إلا أنه لم يسلم من دخول السجن لاعترضه على طريقة إدارة الأمور فى البلاد. ظل يدافع عن فكرة الناصرية واليسار بشراسة حتى إنه لقب ب«أرملة عبدالناصر»، ثم اعتقل مرة أخرى إثر اعتراضه على اتفاقية كامب ديفيد التى أبرمها أنور السادات مع الجانب الإسرائيلى. فى السبعينيات، أسس مع صديقه الدكتور حسن حنفى مجلة «اليسار الإسلامى»، التى عبرت عن فكره الخاص، الذى يدمج بين مبادئ العدالة الاجتماعية والشريعة الإسلامية، وانتهت المحاولة بمصادرة العدد الثانى وطرد حسن حنفى من الجامعة ودخول محمد عودة إلى السجن. كما شارك فى كتابة أول رواية بالعامية المصرية مع صديقه الأديب مصطفى مشرفة، وهى رواية «قنطرة الذى كفر»، وكان أول رئيس تحرير لجريدة الأهالى، كما كتب قصة ثورة عرابى وثورة اليمن. ثم رحل عنا الكاتب والصحفى محمد عودة عن عمر ناهز 86 بعد تدهور حالته الصحية عام 2006 ودخوله غيبوبة طويلة وصراعًا مريرًا مع مرض السرطان.