بعد انتهاء المرحلة الأولى «التعارُف» ينتقل المجنّد المستهدَف إلى مرحلة جديدة، وهى ما تُسمى ب«إيقاظ الإيمان»، فيقول «المجند» له «أنت مؤمن، لكن هذا الإيمان مخدّر بداخلك» وإن «هذا الدين هو دين مستهدَف بالمؤامرات على مدار التاريخ»، ثم يستحضر له كل المشاهد قديماً وحديثاً، بدءاً من خُبيب بن عدى حتى سيد قطب وعلاء الزهيرى، وكل شخص أُوذى من أجل دينه. وبهذا المعنى، تصبح مسيرة الجماعة هى مسيرة هذا «الإسلام المضطّهد»، بحيث تصبح الجماعة هى الامتداد الطبيعى لمسيرة الإسلام على الأرض، لا لمسيرة فصيل معين، فهؤلاء هم «الإسلام» بطريقة ما، فى استكمال لهذا المدخل العاطفى الجذّاب. ويتذكر أحمد سعيد، وهو «إخوانى» بدرجة منتظم، كيف أن أول تأثر له ب«الإخوان» كان وقتها «أحمد» طفلاً يبلغ من العمر 10 سنوات، حيث جمع «الإخوان» عدداً كبيراً من أبناء القرية فى بيت أحد الإخوة، وعرضوا عليهم شريط فيديو يُسمى «الوعد»، يحكى عن مآسٍ تعرض لها الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال الصهيونى، ودور حركة المقاومة الإسلامية «حماس» فى صد هذا العدوان، فضلاً عن مشاهد من «انتفاضة الحجارة»، وكانت الصورة مصحوبة بأصوات منشدين شاميين. ويقول «أحمد»: «تأثرنا جميعاً وبكينا، وزاد حبنا لهذا الدين وارتباطنا بالجماعة، كونها هى الأمل الوحيد فى عودة الإسلام ورفع رايته خفّاقة فوق المسجد الأقصى، الأمر الذى كان يحدث بعد ذلك فى حرب البوسنة والهرسك وقبلها فى حروب أفغانستان والشيشان وكوسوفو». وتشكل عقلية العنصر المستهدف تركيباً عاطفياً بحتاً يحاول فيه «المجند» شحذ وجدان «المستهدف»، ويُلهبه حتى يزرع فيه حب التنظيم، لكى يؤمن به على أساس أنه يمثل «درع الأمة» والسبيل الوحيد إلى نصرتها بعدما تقف على أرجلها من جديد. ويقول علاء محمد، وهو باحث منشق عن جماعة «الإخوان»: «إن الأكثرية تنتمى إلى الجماعة انتماءً عاطفياً فقط»، وهذا المعنى هو نفس ما قاله الدكتور عصام العريان، القيادى الإخوانى، من أن «مَن معنا فى التنظيم أناس عاطفيون فقط، ولا يفهمون إلى أين هم ذاهبون». ويقول الباحث أحمد بان: «هذا أمر دقيق وعميق 10 فى المائة فقط، فهى مادة العمل داخل الصف الإخوانى و2 فى المائة يخرجون عن طاعة التنظيم و8 فى المائة يظلون قانعين بأن يخوضوا معركتهم داخل الصف من الإخوان، و90 فى المائة تسلم قيادها إلى قيادات التنظيم، وتثق فيها ثقة عمياء، من منطلق أنها تدبر لنصرة هذا الدين ولنصرة هذا المشروع، ولقد منحتها الثقة بموجب بيعة شرعية». ويضيف «بان» أن «التنظيم لا يحاول أن يزرع فى وجدان وعقل الأعضاء سوى ركنى الطاعة والثقة فى القيادة، مع أن حسن البنا كان يلجأ إلى الشورى، ويغض التنظيم الطرف عن باقى الأركان، ومنها الفهم والتجرّد، فهو لا يستدعى سوى مفردات الثقة والطاعة، مع أنه لا ثقة ولا طاعة دون فهم، ومن خلال زرع الثقة فى نفسية المستهدف عبر منهج فكرى معين يُصبح مهيأً لفكرة «تفويض القائد» لاتخاذ القرار، وفى التدبير لأمور الجماعة». ويتابع الباحث «وتسود هنا مقولات من نوع (لدىّ ثقة أن لديه من المعطيات ما ليس لدىّ) أو (الرؤية لدى القائد أدق، وقراره صائب)، ومن موجبات هذا العمل الجماعى أن يكون هناك قيادة، ومن موجبات هذه القيادة أن تحظى بالثقة، على أساس أن هذا العمل سيُهدم لو أن كل فرد يفكر ويدبر ويقرر لنفسه بمعزل عن الجماعة، ونحن فى مواجهة التدبير الجماعى للحرب ضد الدين فى حاجة إلى تدبير جماعة فى مواجهة هذه الحرب». ويتم، حسب الباحث، تسويق مقولات دينية فى هذا الصدد، مثل مقولة «لا إسلام إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بالطاعة، ولا طاعة إلا بجماعة»، فضلاً عن الآية الكريمة «ولتكن منكم أمة»، إضافة إلى حشد من الآيات تحض على العمل مع الجماعة، ويتسع نطاق النص ليتم تطويره فى المساحة التى يريدها التنظيم لخدمته، وهو أمر حاضر فى الجماعة على امتداد تاريخها، فعندما نقرأ فى نصوص «البنا» تجد استشهادات قرآنية فى غير موضعها، ويتسع مفهوم النص لكى يلائم ما ذهب إليه من مفهوم. وشيئاً فشيئاً، تتحول الأمور من التبعية للإسلام إلى التبعية للتنظيم، باعتبارها «ولاءً لله»، مع العلم أن أداة فكرة التمكين للدين والدولة مجرد وعاء لهذا التمكين، فيمضى المستهدف مع هذا التنظيم منذ بداية إدراكه بأن هذا الدين هو المستهدف، وتنبت الأفكار الجذرية التى توضع فى ذهن الشخص وتشكل أفكاره ووجدانه أن «الإخوان هى جماعة المسلمين»، وهذا هو ما يستنبطه الضمير «الإخوانى» وإن ادعى أنه يقول عكس ذلك. وهكذا، يُلقَّن المستهدف خلاصة تقوده إلى أن «الإخوان» هم من يفهمون الإسلام على حقيقته، وأنهم الممثلون الحصريون لدين الله فى الأرض، وأنه ما من أحد يعمل لهذا الدين سواهم كما يعملون له، وأنهم أدق الناس فهماً لمعانى الإسلام ومراميه. وهناك جذران ينهض بهما «الأخ» لفهم الدعوة الإسلامية هما كتابا «الطريق لجماعة المسلمين» و«ماذا يعنى انتمائى للإسلام»، وهذا هو الأساس الذى يخضع له تكوين «الأخ» المستهدف تجنيده منذ أن يلج بقدميه أولى عتبات هذا التنظيم المغلق. وببدء دخوله فى التكوين الفكرى، تنتهى مرحلة التعارف ومرحلة إيقاظ «الإيمان المخدَّر» فى الصدور من خلال تعويده على مجموعة من العبادات، ثم إدراكه أن هناك مؤامرةً على هذا الدين، وهذه المؤامرة تستلزم كيداً جماعياً، وبالتالى يجب أن يكون عمله عملاً جماعياً، وهناك جماعات كثيرة تعمل على الساحة، فأى جماعة سيكون إليها ولاؤه؟ وأى عمل جماعى؟ فى هذه المرحلة تُشرح له طرائق العمل الجماعى التى تدّعى الصلة بالمنهج الإسلامى، فيقال له إن هناك «سلفيين» يهتمون بالعبادات والطقوس والإشارات والمظاهر على حساب الجوهر، وهناك «الصوفيون» وهؤلاء منسحبون من العالم، وهناك أيضاً «الجهاديون» الذين يحملون مهمة الجهاد بالسلاح، ولكن «الإخوان» هم الذين يجمعون كل هذه الأمور، فهى «الجماعة الشاملة». أخبار متعلقة: مراحل تجنيد«الإخوانى» المرحلة الأولى: البحث عن «الإبل النجيبة».. والأولوية ل«أبناء الأغنياء» المرحلة الثالثة: أهلاً بكم فى «دولة الإخوان»