لا أحد يملك مثقال ذرة من وعي، يتخيل أن منتسباً إلى التيار الديني، يستطيع أن يتخذ قراراً من تلقاء نفسه، ومن دون أن يحظي بمباركة جماعته و"قومه وعشيرته"، فالأمور في هكذا تنظيمات، تقوم على أن ليس من حق "الأخوة" استخدام المخ، إلا لعمل "الساندويتشات"، كما كان الراحل جلال عامر يقول، فلا رأي يعلو فوق رأي "مولانا" ولا نقاش مع الأمير أو المرشد أو الرئيس، وإنما هي قولة سمع وطاعة، من خرج عنها خرج عن الدين، وصبأ عن الحق. هذه حقيقة دامغة، وليست استنتاجات من دون دلائل، أو تكهنات يطلقها متكهنون، أو يروجها كارهون، لكنها وقائع يؤكدها "إخوان سابقون" انتفضوا على سياسة القطيع، وقرروا أن يمارسوا فعل التفكير، لا أن يهزوا رؤوسهم بالموافقة، إذا ارتأى مكتب الإرشاد أمراً، ثم يهزونها نفس الهزة، بنفس الحرارة، إذا قرر اتخاذ الموقف العكسي، وهم في الحالتين "وفي كل الحالات" راضون عما يفعلون، ويشعرون بأنه الصواب! أبرز ما تكشف عن غلاظة قبضة السمع والطاعة، يأتي في شهادة ثروت الخرباوي، القيادي المنشق عن الإخوان، إذ يقول: إن مبدأ السمع والطاعة، أسفر عن تحويل شباب الإخوان إلى "جنود أمن مركزي إسلامي"، وهؤلاء يمثلون السلاح الذي تحسن الجماعة حشده، متى أرادت ترهيب خصومها، وأيضاً لترسيخ هيمنتها بعد أن أصبح حكم مصر وإدارة شئونها، ثمرة ناضجة يريدون قضمها وحدهم، لكن هذا السلاح لن يضمن للجماعة الاستمرارية كجماعة سياسية، لأن البقاء والنجاح يحتاج إلى "العقول الحرة".. وهذا ما يفتقدونه. قيادي آخر، انشق عن الطاعة العمياء الصماء، ألا وهو الدكتور كمال الهلباوي، الذي عاش في الغرب زمناً طويلاً، ومارس العمل المدني حتى سبر أغواره، وامتصت خلاياه معاني الحرية والتفكير الخلاق المبدع، في عملية أشبه ما تكون بالتمثيل الضوئي عند النباتات، ورأى في مقولة فولتير: أختلف معك لكني مستعد للتضحية بعمري، كي تقول رأيك.. مقولة تناسب روح الإسلام، ولا تتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم.. يؤيد كلام الخرباوي إذ يعتقد بدوره أن "آفة السمع والطاعة"، تمثل السوس الذي ينخر في عظام الجماعة من الداخل، كونها ممارسة ضد طبائع بني آدم، الذين كرمهم الله دون سواهم بالعقل، ومنحهم الحرية "بمنتهى الليبرالية"، فمن شاء آمن، ومن شاء كفر. عود على بدء، وتحديداً على عمل الجماعات المتأسلمة، وفق خطط ممنهجة، وسياسات مرسومة، فإن القول بأن التهديد الأرعن الوقح، الذي وجهه صفوت حجازي، بإشعال حرب أهلية، ضد رافضي سياسات الدكتور محمد مرسي، قد كان يعبر عن رأيه الشخصي، ففي هكذا جماعات، لا يوجد مكان لما يسمى بالرأي، ولا يوجد محل للشخوص من حيث كونهم كيانات ذات عقول ووجدان، وليس مسموحاً لأحد الانشقاق عن سياسة "هز الرأس"، فالأمير والمرشد وأيضاً الرئيس، تابوهات مقدسة، لا يجوز المساس بها، وبين أياديهم الكريمة، صكوك الإيمان، يمنحونها للتابعين المؤيدين الموافقين، ويمنعونها عمن مارس فعل التفكير، فارتأى أن يكون من المخالفين، وقرر الجهر في وجوههم بقولة: لا. على أن كلام حجازي لم يكن ليشغل أحداً، أو يستدعي التوقف عنده، لولا أنه جاء ضمن إطار صورة عبثية، رسمتها أنامل الجنون ولونتها فرشاة الحماقة.. صورة "التحرك الجماعي" الذي اتسم به سلوك "أبناء السمع والطاعة" أو أمن مركزي الإخوان، فيما كانوا يحطمون منصة القوى المدنية، التي أرادت أن تحاسب الرئيس على فشل المائة يوم، بميدان التحرير.. صورة تزداد قسماتها وضوحاً بتواري الرئيس عن الأنظار، من دون أن ينبس ببنت شفة، تعليقاً على هذه الهمجية، والسكوت علامة رضا، كما يقول المثل الشعبي! صورة يستطيع كل من يمتلك عقلاً، ويؤمن به، أن يستنبط منها، أن منظومة السمع والطاعة، تحاول صناعة مبارك جديد، ربما يختلف عن المخلوع في أن له لحية، و"زبيبة صلاة"، لكنه يتفق معه في أن الشعب يجب أن يطوف حوله، أو هي الحرب والفوضى. Comment *