حصلت "الوطن" على نسخة من تقرير لجنة تقصي الحقائق، التي أرسلها المجلس القومي لحقوق الإنسان الثلاثاء الثالث من إبريل الجاري، للوقوف على الأسباب التي أدت إلى تسمم بعض الطلاب المقيمين بالمدينة الجامعية للأزهر بعد تناول وجبات غذائية فاسدة بمطعم المدينة، حيث تجاوز عدد المصابين أكثر من 550 طالبا. وقال التقرير، الذي أعده باحثو المجلس عبير فاضل وسلمى السماحي ومصطفى طارق بالتعاون مع إدارة الإعلام بالمجلس برئاسة أمجد فتحي، إن جامعة الأزهر شهدت حالة من الاضرابات والاحتجاجات من جانب أعداد كبيرة من الطلاب، وذلك على خلفية تسمم بعض المقيمين بالمدينة الجامعية إثر تناول وجبات غذائية فاسدة بمطعم المدينة، ونادى المتظاهرون برحيل رئيس الجامعة ومدير المدينة الجامعية ومدير المطعم، ومحاسبة كافة المسؤولين عن الواقعة. وأوضح الباحثون في نص التقرير أنه "أثناء توجه البعثة لمقر المدينة الجامعية بمدينة نصر، في طريق صلاح سالم، قابلت مسيرات لأعداد كبيرة من طلاب المدينة متوجهين للاعتصام أمام مقر مشيخة الأزهر، احتجاجا على تردي الأحوال الصحية والمعيشية داخل المدينة الجامعية وحدوث تسمم جماعي لبعض زملائهم، وتبين من هتافاتهم أن واقعة التسمم ليست الأولى، بل هي تكرار لوقائع متشابهة على فترات متقاربة". وأضاف التقرير: "بالاستفسار اتضح أن الطلاب المحتجين سبق أن تقدموا بعديد من الشكاوى لإدارة المدينة الجامعية، تضرروا فيها من عدم صلاحية الوجبات المُقدَّمة لهم ولكن دون جدوى، وتعالت الهتافات بالمطالبة بضرورة محاسبة المسؤولين عن الواقعة وإلغاء التعاقد مع مورد الأغذية الحالي والتعاقد مع آخر موثوق فيه وفي مصادر حصوله على الأغذية". وأوضح أن البعثة لم تتمكن من دخول حرم المدينة نظرا لرفض الأمن، وتم إجراء عدة مقابلات مع الطلاب المتواجدين أمام بوابة المدينة الجامعية والاستماع لشهاداتهم باعتبارهم شهود عيان على الأحداث". وقال أحمد عبدالفتاح، الطالب بكلية الزراعة بجامعة الأزهر، إن الطلاب المقيمين بالمدينة الجامعية يتعرضون لإهمال من المسؤولين في أمورهم الصحية والمعيشية، ومن أبسط الحقوق التي يجب توافرها هو الحق في الغذاء الصحي والآمن، وهو ما لا يُراعيه المسؤولون عن طلاب المدينة الجامعية. وأضاف أن طلاب المدينة اعتادوا وجود حشرات وديدان بالطعام المُقدم لهم، وفي عام 2012 وقعت حادثة مشابهة بالمدينة الجامعية للبنات، وخلفت وراءها العديد من الأمراض الخطيرة ومنها مرض السُل. وأكد أنه في تلك الأثناء احتج طلاب المدينة الجامعية للبنين واعتصموا للتنديد بما وقع لزميلاتهم بقسم البنات، وتفاقم الأمر وتعدى أمن الجامعة على المحتجين من الفتيات، وضرب بعضهن بالركل بالأقدام. وأضاف عبدالفتاح أن حالات التسمم وقعت بين الطلاب المُقيمين بأحد الأقسام داخل المدينة، وهو قسم نصر (أ)، حيث أن المسؤول عن القسم استلم الأغذية الفاسدة من المورد رغم علمه بعدم صلاحيتها، ورفض المسؤول عن القسم الآخر نصر (ب) استلام ذات الغذاء من المورد لعدم صلاحيته، وتم تبديل الوجبات للطلاب بالمبنى الأخير بعلب تونة، وبالتالي كانت الحالات المُصابة بنصر (أ) فقط، وبدأت الأعراض في الظهور على الطلاب بداية من الساعة 2.30 عصرا. وقال مكاوي محمد طه، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الدعوة الإسلامية، إنه يسكن بالمدينة الطلابية (ب)، وفي نحو السابعة مساء يوم الحادث شعر بعض زملائه بآلام مُبرحة بالمعدة، فتوجهوا للمركز الطبي بالمدينة لكنه عجز عن تقديم الخدمة الطبية اللازمة لهم أو حتى القيام بالإسعافات الأولية، مؤكدا أن أبسط المستلزمات الطبية ليست متوافرة بالمركز، ما أعجزهم عن قياس حرارة أحد المصابين لعدم وجود ترمومتر، بالإضافة إلى عدم وجود طبيب مقيم بالمركز. وأوضح أحمد فؤاد، الطالب بكلية التربية، أن كلام زملائه صحيح، وأن الطلاب لاحظوا بتاريخ 30 مارس الماضي وجود بقايا فضلات وحشرات (ذباب وصراصير) بالأواني المُقدم فيها طعام الغداء، فنظَّف الطلاب الأواني بأنفسهم. وأكد أحمد إبراهيم، الطالب بكلية الصيدلة وعضو اتحاد الطلاب، أن توزيع الدجاج الفاسد على الطلاب أثناء وجبة الغذاء عمل مقصود من قبل مورد الأغذية المتعاقد مع المدينة، الذي تم معاقبته منذ فترة لعدم التزامه بالمواعيد المتفق عليها لتسليم الغذاء، وبالتالي سلَّم الأطعمة الفاسدة ليتلافى وقوع جزاء عليه مرة أخرى جراء عدم التزامه بالمواعيد، مضيفا أن معايير الأمن والنظافة على غذاء الطلاب المقيمين بالمدينة غائبة. وأشار الطالب أحمد لملوم، أحد الطلاب المصابين الذي وضح عليه الإعياء الشديد وكان يتكئ على زميله، إلى أنه بعد تناوله وجبة الغداء شعر بآلام مبرحة بالمعدة، فاتجه للمركز الطبي بالمدينة ولم يجد اهتماما من القائمين على الخدمة الصحية، حيث كان الطبيب نائما ولم يبالِ بما يحدث. وأضاف أنه أصابته حالة إسهال وقيء شديدة، فنقله زملاءه على الفور للمستشفى لتلقي العلاج. والتقت البعثة الأستاذ الدكتور مدير مستشفى جراحات اليوم الواحد، الذي قال إن المستشفى استقبل يوم الثلاثاء الثالث من إبريل 63 حالة من طلاب المدينة الجامعية، وتم تشخيص الحالات تشخيصا مبدئيا على أنها قيء وإسهال، وذلك لعدم وجود مركز للسموم بالمستشفى للتأكد من أن الطلاب مصابين بتسمم غذائي من عدمه، وخرجت كل الحالات في ذات اليوم، ولذلك لم تقابل البعثة أيا من تلك الحالات. وأجرت البعثة مقابلة مع بعض المصابين بمستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر، أفاد أحدهم خلالها بأنه بعد تناوله وجبة الغداء شعر بإعياء شديد وآلام بالمعدة، فتوجه لمستشفى الدمرداش وقاموا بإسعافه بتركيب المحاليل اللازمة لكن الحالة استمرت في التدهور، فحوَّله الطبيب المعالج إلى مركز السموم التابع لجامعة عين شمس، وتضرر من تعنت إدارة مستشفى الدمرداش في استخراج نسخة من التقارير الطبية لحالته، وذلك رغم تواجد المسؤولين المنوط بهم استخراج تلك التقارير المثبتة لحالات المرضى. وقال طه حجاج عبدالله، الطالب بكلية الدراسات الإسلامية، إنه رغم حرص إدارة المدينة الجامعية على تحصيل مقابل الإعاشة 500 جنيه شهريا من كل طالب يقيم بالمدينة، إلا أنها لا تفي بالتزاماتها تجاه الطلاب، فالإهمال طال كل شيء بالمدينة، سواء فيما يتعلق بالغذاء أو النظافة العامة، مؤكدا أن الطلاب نفذوا عددا من الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية للتنديد بسوء الأوضاع داخل المدينة ولكن دون جدوى. وأكد محمد مصطفى محمد، الطالب بكلية الزراعة، أن الطلاب اشتمُّوا رائحة كريهة تنبعث من مطبخ المدينة يوم الأحد الأول من إبريل الجاري، مرجحا أن تكون راشحة "الفراخ الفاسدة" المُقدمة للطلاب والمُتسببة في حالات التسمم الجماعي. ولفت محمد عبيد، الطالب بكلية الزراعة، إلى أنه بعد تناوله وجبة الغداء شعر بآلام بسيطة يمكن تحملها بالمعدة، ونقل أحد زملائه المصابين للمستشفى، وبعد ذلك بدأ الألم في الازدياد وبدأ يشعر بحدته، فتم حجزه هو الآخر مع زميله بالمستشفى. وأفاد وائل سلامة محمد، الطالب بكلية الهندسة، أنه تناول وجبة الغذاء نحو الساعة الرابعة والنصف عصرا وكانت تنبعث منها رائحة كريهة، كما أن الأواني المقدم فيها الطعام لم تكن نظيفة، وبعد تناوله الوجبة بدأ يشعر بآلام المعدة كباقي زملائه، فتم نقله للمستشفى. وأكد أنه في يوم الحادث تم استبدال الوجبات الفاسدة من الدجاج لقسم (ب)، وعوضا عنها تم صرف علب تونة للبنين وبيض للفتيات، وبدأت حالات التسمم الغذائي في الظهور منذ الرابعة والنصف عصرا حتى السادسة والنصف مساء. ولفت إلى أنه يعتقد أن الإدارة المُشرفة على طهو وسلامة الغذاء بالمدينة بقسم (أ) قصدوا التخلص من كميات الدجاج الفاسدة ولهذا قرروا مد فترة الغداء حتى السادسة مساء، كما أنه منذ ثلاثة أسابيع وقعت نفس حالات الإصابة بالتسمم بالمدينة الجامعية للبنات، وعلى إثرها أصيب بعضهن بالسُل وفقر الدم والتسمم الغذائي، وعند اعتراض الطالبات على عدم صلاحية الأغذية تم الاعتداء عليهن بالضرب من قِبل المشرفات. وأضاف أن وجبات الغذاء لا تخرج عن البيض والدجاج واللحم والتونة، وجميعها سيئة ورديئة للغاية وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، كما أن علب التونة التي تصرف للطلاب من الدرجة الثالثة. وأشار أحمد نور الدين، الطالب بكلية الهندسة، إلى أن مواعيد تناول الوجبات مُتعارف عليها جيدا، حيث يبدأ موعد وجبة الغداء من 12 ظهرا حتى الرابعة والنصف عصرا، وآخر موعد لها حتى الخامسة مساء، لكن الغريب أنه يوم الحادث تم مد الفترة إلى السادسة مساء، وهو ما لم يحدث من قبل بالمدينة. وأكد أحمد مشعل، الطالب بكلية الزراعة وعضو اتحاد الطلاب بالجامعة، أنه حضر للاطمئنان على حالة زملائه بالمستشفى، مضيفا أن أعضاء اتحاد الطلاب حرروا محضرا بديوان قسم شرطة مدينة نصر أول، ضد الدكتور أسامة العبد رئيس الجامعة، ومدير التغذية ومدير المدينة الجامعية، باعتبارهم المسؤولين عن حالات التسمم الجماعي، وقيد المحضر تحت رقم 1096. وأكد أن الطلاب لن يهدأ لهم بال حتى يتم اتخاذ اللازم قانونا تجاه المسؤولين، موضحا أنهم في انتظار صدور تقرير وزارة الصحة عن عينة الطعام ومعرفة أسباب حدوث التسمم، مشددا على أن لديهم معلومات أن العينة أُخذت من طعام آخر غير الذي تناوله المصابون، وأن نائب رئيس الجامعة حضر على غير العادة في هذا اليوم وتناول الطعام مع الطلاب في المطعم، ولكن في وقت سابق عن حضور باقي الطلاب، وتم تقديم طعام مُختلف له وللعدد البسيط المتواجد معه من الطلاب، وظهرت حالات التسمم بعد ذلك بفترة. وأضاف أنه تم تشكيل لجنة من بعض طلاب كلية الزراعة منذ نحو أسبوعين للإشراف على المطعم، تعمل تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس بقسم الصناعات والكيمياء وبرعاية عميد الكلية، وأظهرت واقعة التسمم تقصير جانب اللجنة في متابعة العمل الموكل إليها. وقابلت البعثة الأستاذ الدكتور سمير العسال، نائب مدير مستشفى التأمين الصحي ومدير الشؤون العلاجية، الذي أفاد أن المستشفى استقبلت 79 طالبا مصابا، وبالتشخيص المبدئي للحالات تبين أنه اشتباه تسمم غذائي، ونظرا لعدم وجود قسم للسموم بالمستشفى تم تحويل 12 حالة لمركز السموم، وهي الحالات الخطر، أما باقي الحالات فتم حجز 34 حالة حتى تماثلت للشفاء، وإسعاف 33 حالة أخرى وغادروا في اليوم ذاته. كما التقت البعثة الأستاذ الدكتور سامي ماهر، الطبيب الباطني المقيم بمستشفى التأمين الصحي، الذي أكد أن التوصيف الطبي الدقيق لحالات الطلاب المصابين هو اشتباه في تسمم غذائي. ورصدت البعثة شكاوى الطلاب بالمدينة الجامعية، ومنها استيائهم من زيادة المصروفات الدراسية، والزحام الشديد داخل الغرف المخصصة للنوم حيث يصل العدد إلى 20 طالبا، وغياب النظافة الدورية على الغرف ودورات المياه، كما أن الغرف لا توجد بها تهوية جيدة، وغياب الصيانة الدورية على مباني المدينة بصفة عامة وغرف الطلاب بصفة خاصة، مع العلم بأن بعض الطلاب أكدوا أنه أثناء التأسيس لبناء دور خامس بمبنى عمر بن الخطاب سقط سقف الدور الرابع. وخلصت بعثة المجلس إلى عدم تطبيق معايير السلامة داخل المدينة الجامعية، الأمر الذي كان من الممكن أن ينتهك الحق في الحياة ويهدده، وهو من الحقوق الأصيلة للإنسان طبقا لما نصت عليه المادتين 63 و68 من الدستور المصري الجديد، وبمُقتضاهما تكفل الدولة لكافة مواطنيها الحق في العيش في بيئة نظيفة وغذاء صحي، كما كفلته كافة دساتير العالم ونصت عليه المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تقول إن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". وعليه تم المساس بحق من حقوق الإنسان وهي حقه في مأكل ومشرب ومسكن نظيف وآمن، وانتهاك حق الطلاب في التعليم بعدم توفير المكان المناسب للتحصيل العلمي، لزيادة التزاحم في غرف المدينة الجامعية وعدم وجود رعاية صحية كاملة ومناسبة مقدمة من القائمين على المدينة، والتقصير في علاج الطلاب وعدم وجود استعدادت فورية لمواجهة الحالات الطارئة من انتشار العدوى أو الإصابات وغيرها، ما يستدعي إعادة النظر في المنظومة بأكملها داخل المؤسسات التعليمية، وما تشملها من سكن للطلاب المغتربين الذين من حقهم أن تُراعى كافة حقوقهم التي كفلها الدستور وكافة المواثيق الدولية. وأشار التقرير إلى أن الفساد الإداري يتجلى في الاتفاق مع موردين لا توجد رقابة عليهم من أي جهة، وبالتالي يوردون أغذية غير صالحة تضر بالصحة العامة للطلاب، وأدى الإهمال في النظافة وعدم مراعاة حقوق الطلاب في تناول طعام صحي وآمن إلى لجوئهم إلى تناول أطعمة من خارج المدينة على نفقتهم الخاصة، والإضراب عن تناول الطعام بداخل المطعم، ما أدى إلى زيادة الأعباء المالية التي يتحملونها. ولفت إلى عدم كفاءة المستشفيات العامة بمصر لاستقبال حالات التسمم، لعدم وجود مراكز للسموم بأغلب المستشفيات، وعدم القدرة على استقبال حالات جماعية لعدم توافر الأعداد الكافية من الأسِرَّة ومحدودية عدد الغرف، ما يؤدي إلى انتهاك حق الإنسان في تلقي العلاج الملائم والمجاني. وأوصى التقرير بضرورة عمل وحدة لرقابة الجودة من خارج الجامعة، للإشراف على الأغذية التي يتناولها الطلاب وفق معايير الجودة، وتسليم عمليات النظافة بالمدينة لشركة متخصصة، وتغيير طاقم العمل داخل المطعم والطبيب المسؤول عن مراقبة صلاحية الأطعمة، مع محاسبة المتسبب عما حدث للطلاب من تسمم جماعي، والتعاقد مع مورد أغذية موثوق في أمانته لتوريد الأطعمة للمدينة الجامعية، ووجود آليات لعمل خدمة جيدة تقدم للطلاب، ومراعاة معايير الجودة فيما يقدم لهم من خدمات داخل المدينة الجامعية، واحترام حقوقهم في مأكل ومسكن نظيف، والإشراف الطبي على الطلاب لمنع انتشار الأوبئة التي تظهر بينهم، نظرا لتكدسهم في أماكن ضيقة، والإشراف الصحي من مديرية الصحة على الطعام المقدم للطلاب، وتغيير نوع الطعام ومراعاة النظافة أثناء إعداد وتقديم الوجبات المقدمة لهم، وإعادة النظر في المنظومة الصحية في مصر، بداية من عدم وجود كفاءات طبية لمواجهة الأزمات الطارئة وفقر نوعية الخدمات المقدمة، بما أن الحق في توفير الرعاية الصحية أصيل وأساسي، والإخلال به يستوجب المساءلة والعقاب.