بعد شد وجذب، ونفى وتأكيد، وتلميحات وتصريحات رسمية وغير رسمية، أعلن، أمس، البنك المركزى المسئول عن السياسة النقدية، تعويماً موجهاً للجنيه أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكى، فى محاولة أخيرة لانتزاع الدولار من أنياب حيتان المضاربات وتجار السوق السوداء، بعد أن نجحوا فى احتكار العملة الأمريكية داخل مصر. وقرار «التعويم الموجه» يعنى ببساطة تحديد سعر عادل للعملة المحلية ثم تركه لآلية العرض والطلب، ليتحرك صعوداً وهبوطاً داخل هامش نسبة مئوية حددها البنك المركزى المصرى فى قراره ب10%، ليتراوح سعر الدولار فى البنوك بين 13 و14 جنيهاً، وهو ما يقضى بشكل كبير على السوق السوداء للدولار، ويجلب كميات ضخمة من الدولارات إلى البنوك بعيداً عن تجار العملة، سواء الخاصة بالمصريين فى الداخل أو بتحويلات العاملين فى الخارج، وهذه هى الميزة الكبرى للتعويم، بالإضافة إلى إنعاش الصادرات المصرية مستقبلاً بعد انخفاض قيمة الجنيه رسمياً بنسبة تقترب من 48%. أما مخاطر التعويم فأهمها زيادة معدلات التضخم المرتفعة أصلاً وارتفاع أسعار السلع المستوردة أو التى تعتمد على مكونات مستوردة، مع تآكل القوة الشرائية للجنيه الذى فقد رسمياً نصف قوته، فى ظل ثبات الأجور والمرتبات، وهذا هو ما يهم المواطن المصرى فى الأول والآخر، ما يعنى تعرضه لضرر بالغ، كان يتعرض له بشكل غير رسمى قبل التعويم، فأصبح الآن ضرراً «مقنناً»، لكنه سيكون مؤقتاً، لو أن الحكومة تمهلت وأجَّلت قراراتها الصعبة التى تردد أنها تأتى ضمن حزمة اشتراطات صندوق النقد الدولى، ومنها رفع الدعم عن الوقود، وهو سلعة خطيرة تأثيرها يمتد ليشمل كل السلع بسبب تحميل فاتورة زيادة سعر الشحن والنقل على المستهلكين، وهو ما ينتظره «أهل الشر» بفارغ الصبر لإثارة وتأليب الشارع ضد الحكومة والرئيس عبدالفتاح السيسى شخصياً، وهو ما لا نتمنى حدوثه، حرصاً على استقرار البلاد ومصالح الغالبية الساحقة من المصريين الذين يتحملون منذ فترة بصبر نتائج أخطاء وسياسات سابقة على مدى عقود.