على بعد 200 متر فقط من قسم شرطة الموسكى، يقف وسط أقرانه فى ميدان الباعة الجائلين (العتبة سابقا).. أمامه منضدته الخشبية يعلوها عدد من الأسلحة البيضاء «مطاوى وخناجر». على الرصيف المقابل للمسرح القومى المحترق منذ قرابة الخمسين شهرا يتحدث «أبو منة» من أمام «فرشته» التى وضع عليها 15 سلاحا مع المارة المنقسمين.. بين مستغرب من وجوده فى نهر الشارع دون خوف، وآخر يحاول أن يشترى سلاحا يحميه من شطط الانفلات الأمنى. «فيه نية للشرا يا بيه ولا هتوجع قلبنا وخلاص؟».. بهذه الجملة يستهل الشاب العشرينى كلامه مع كل من يتفحص بضاعته، مع دقات الحادية عشرة من صباح كل يوم يبدأ يومه، فى المكان نفسه بالقرب من الباب الرئيسى لبنك مصر المواجه لكوبرى الأزهر: «كنا بنقف قدام باب البنك بس طردونا.. جينا هنا على جنب.. هنروح فين يعنى؟».. على وقع أصوات «سرينات» السيارات ونداء الباعة يحكى «أبو منة» عن حاله هو وأكثر من زميل يبيع البضاعة نفسها يصطفون على بعد أمتار منه. رغم قربه الشديد من قسم الشرطة، فإن «أبو منة» لا يخشى غضب رجال الداخلية: «يا ما دقت ع الراس طبول.. أنا اتاخدت كذا مرة قبل كده.. بس فى قواضى تانية». «حكومة» هى الإشارة التى تعنى قدوم أحد أمناء الشرطة.. ممسكا بخنجر يلمع فى الشمس يتحدث «أبو منة» بتحدٍّ: «أنا ما بخافش من حد.. كل اللى بيهمنى الزبون اللى بيشترى لحسن ينضر بسببى.. لكن أنا هيعمل معايا إيه؟ هيحبسنى؟ عادى.. مش أول مرة».. الأسلحة تنقسم إلى ثلاثة أنواع، الأول: «الخنجر الأمريكى»، وهو أشبه بسكين طويل مسنن بيد بلاستيكية سوداء يباع مع جرابه الخاص ويتراوح سعره بين 110 و120 جنيها، والثانى هو «السوستة الأمريكى» وهو أشبه بسكين متوسط الحجم له يد خشبية بنية اللون ويتراوح سعره بين 80 و90 جنيها، أما النوع الأخير فهو «المطواة البلدى» المعروفة فى المناطق الشعبية، وهى أكثر بضائعه التى تلقى إقبالا لدى المارة ويبدأ سعرها من 25 إلى 35 جنيها. يمر أحد الوافدين، يبدو أنه من الصعيد، يعجبه أحد الخناجر ويخرج 40 جنيها يعطيها للبائع فيطالبه بمثلها على الأقل، فيما يناشده الشاب الذى لم يتخط عامه العشرين شراء السلاح بذلك السعر، فهو وافد جديد على «أم الدنيا» ولا يملك من حطامها سوى النزر: «والله يا ريس ما معايا غيرهم». قبل ساعة من منتصف الليل يبدأ «أبو منة» جمع أسلحته، متمنيا أن يأتى عليه صباح جديد بمهنة أخرى تبعده عن عيون الناس واستهجانهم.