تواترت الأنباء فى الأسبوع الماضى أن الرقابة على المصنفات الفنية منعت فيلمين من العرض العام؛ الفيلم التسجيلى «عن يهود مصر»، إخراج أمير رمسيس، إنتاج هيثم الخميسى، وفيلم «التقرير»، إخراج عز الدين دويدار، إنتاج شركة سينما النهضة.. تناثرت الاجتهادات الصحفية والإعلامية حول أسباب المنع، فالأول يتناول المصريين اليهود الذين رحلوا عن مصر إلى فرنسا إبان حرب 1948 والعدوان الثلاثى عام 1956، وما زال يسكنهم هوى مصرى رغم كل هذه السنوات، كما التقى المخرج نماذج من اليهود الذين رفضوا مغادرة مصر وأصروا على البقاء بها، وهو موضوع بالغ الحساسية دفع رئيس الرقابة السابق لإرسال السيناريو إلى جهة أمنية أكدت -بدورها- على ضرورة مشاهدة الفيلم قبل عرضه.. كان ذلك قبل ثورة يناير وهو ما لم تلتزم به الرقابة حالياً -وهذه شجاعة تُحمد لمسئوليها- ومنحت الفيلم تصريحاً بالعرض فى بانوراما السينما الأوروبية فى نوفمبر الماضى، كما سمحت بتصديره إلى عدد من المهرجانات العربية والدولية.. لاحقاً طلب المنتج من الرقابة تصريحاً بالعرض العام للجمهور فى عدد من القاعات دون أن يتبع الإجراءات القانونية اللازمة، خاصة فى مجال الملكية الفكرية وهو ما طالبته به الرقابة، ما تسبب فى تأخير التصريح الذى حصل عليه الفيلم فور استيفاء المستندات اللازمة بعد أن امتلأت الساحة صراخاً وشجباً وتنديداً بالرقابة المتعنتة الهلوع التى تمنح الأمن حق الوصاية عليها وعلى قراراتها، وهو ما لم يحدث فى هذه الحالة، وبالمناسبة هذا حق يكفله القانون لعدد من الجهات السيادية، وقراراتها مُلزمة لجهاز الرقابة -حتى الآن- فى إطار ما يسمى «حماية مصالح الدولة العليا» إلى أن يتوافر الاستقلال الكامل للرقابة مستقبلاً.. استفاد الفيلم بالقطع من هذا الضجيج الإعلامى وحقق دعاية -ببلاش- كان فى حاجة إليها باعتباره أول فيلم تسجيلى يعرض عرضاً عاماً بتذاكر بعد فيلم «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسى» إخراج عمرو سلامة وأيتن أمين وتامر عزت، أحد أفلام ثورة يناير. أما «التقرير» فهو فيلم روائى قصير (45 دقيقة)، بطولة محمد شومان مع عدد من الفتيات المحجبات، من إنتاج شركة «سينما النهضة»، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا ينكر مخرجه عز الدين دويدار انتماءه للجماعة، وإن أنكر تبعية الشركة لها، وردد فى تصريحاته أنه يستهدف تقديم أفلام أخلاقية ملتزمة، وبعيداً عن هذه الدعاوى الساذجة، حيث لا يوجد فى السينما أو الفن عموماً ما يسمى بأعمال أخلاقية وأخرى غير أخلاقية، فأى فن «حقيقى» يحمل بالضرورة قيماً أخلاقية وإنسانية، لذا كان على المخرج أن يتروى قليلاً لكن الشعور بالاستعلاء والاستقواء بالجماعة جعله يضرب بالقانون -فى دولة القانون- عرض الحائط ويصور فيلماً دون إذن الرقابة وفقاً للقانون ويقوم بتشغيل فنيين وممثلين محترفين وبعض الهواة دون إخطار نقابتى المهن السينمائية والتمثيلية، ثم يحاول استئجار قاعة سيد درويش لعرض الفيلم دون الحصول على تصريح بالعرض العام من الرقابة أو إخطار مصلحة الضرائب، خاصة أنه قرر طرح تذاكر للجمهور بسعر مائة جنيه للتذكرة وهو أعلى سعر لتذكرة سينمائية فى مصر، ثم يوهم مسئولى القاعة بأنه سيقيم حفلاً للمواهب من الأطفال، ما اضطر رئاسة الأكاديمية إلى رفض عرض الفيلم الذى تم إنتاجه بالمخالفة لكل القوانين، وحين افتضح الأمر لجأ المخرج إلى الابتزاز والمزايدة وأعلن أنه تعرض للاضطهاد بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وأنه ضحية الصراعات السياسية، وتناسى أنه ارتكب مخالفة صريحة للقانون الذى يلزمه بالحصول على إذن بالتصوير، ما يستلزم أن تقوم الرقابة بتحرير محضر بالواقعة وتحويله للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. فى الحالين، تم تأجيل أو منع عرض الفيلمين لأخطاء إدارية أو إجرائية ارتكبها أصحاب الأفلام من دون التعرض لموضوع أو مضمون أى منهما، وأعتقد أن حرية التعبير حق أساسى من حقوق المبدعين دون إقصاء أو استقواء، سواء لأمير رمسيس أو لشركة النهضة، الذراع السينمائية -بعد السياسية والرئاسية والتشريعية- للإخوان المسلمين، شريطة عدم مخالفة القانون الذى لا يحمى.. المخالفين!