"التصويت الديني"، الذي كان بطل الانتخابات البرلمانية، يعود بقوة ليمارس دورا أكثر خطورة في انتخابات الرئاسة، خصوصا جولة الإعادة، التى أصبحت المنافسة فيها محصورة بين خيارين، الإسلام السياسي أو الدولة المدنية الموصوفة بدولة الفلول، بما يفسح الطريق أمام مزيد من الاستقطاب الديني، وصولا إلى "الرئيس الطائفي". جورج سمير، 30 سنة، مصور فوتوغرافي، يقول إنه حسم اختياره بالتصويت للفريق أحمد شفيق "رغبة في الاستقرار حتى وإن كان سيأتي على يد أحد رموز النظام السابق"، معتبرا ذلك "أهون بكثير من دولة الإخوان" الذين يصفهم بأنهم "هادمو الدولة المدنية"، مؤكدا أن موقفه هو موقف عدد كبير من زملائه وأصدقائه الأقباط، اقتناعا من جانبهم بذلك الاختيار وليس امتثالا لتوجيهات الكنيسة كما يدعى البعض. تكرار نموذج جورج وطريقة اختياره، تعني أن الاستقطاب والتصويت الديني، سيصل بمصر إلى رئيس طائفي بامتياز، يحظى بتأييد البعض، بينما يلعنه آخرون، وهو ما يعسكه الشعار الذي ترفعه قوى ثورية من الآن "يسقط الرئيس القادم"، حتى قبل إجراء انتخابات الإعادة، وإعلان النتائج. جورج سمير ليس وحده، لكن الطرق الصوفية أيضا بررت تأييدها للفريق أحمد شفيق، بمخاوفها من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، باعتبار أنها "تسعى للمغالبة لا المشاركة"، رغم أن كليهما جماعة دينية. مشايخ الطرق الصوفية "التي يصل عددها إلى 77 طريقة مسجلة، ولها 15 مليون تابع لهم حق التصويت في مختلف المحافظات"، قالوا إنهم لن يصوتوا لمن يلوون ألسنتهم بالأحاديث ويستغلون الدين، حيث قال شيخ الساحة الرضوانية "زين العابدين أحمد رضوان" إن شفيق لم يتول منصباً إلا بفضل الله، وبذل مجهوداً عظيماً، وتعلم من والده أن من يطرق باباً غير باب الحق أذله الله تعالي، على حد وصفه. فيما قال الشيخ عبد الهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية ل"الوطن"، إن المجلس الأعلى للطرق الصوفية هيئة دينية محايدة، وقد اتفق قيادات الطرق الصوفية المسجلة والمُعترف بها، على عدة معايير لاختيار رئيس مصر القادم أهمها، أن يتقي الله في البلاد والعباد، أن تكون لديه القدرة علي التعامل مع كل المصريين باختلاف طوائفهم، أون يكون قادرا على مواجهة الملفات الشائكة في البلاد ولعل أهمها الأمن والاقتصاد، لافتا إلى أن كل قيادة صوفية لها وزنها ورأيها في ضوء المعايير السابق ذكرها، رافضا الإفصاح عن تأييده لمرشح بعينه. وعن فكرة الرئيس الطائفي، يقول السياسي البارز جورج اسحاق ل"الوطن"، إن كلمة الأقباط نغمة سيئة للغاية، وهي لهجة يروج لها الإخوان، والاستمرار في ترديدها سيؤدي بالفعل لصناعة الطائفية، وأضاف مستغرباً "هل سيؤيد الفريق شفيق الأقباط فقط؟"، وهو ما اتفق معه فيه المفكر القبطي أسعد عبد الملاك قائلاً: أرفض مسمى الأقباط لأنه يعتبر تمييزا طائفيا، مؤكدا أنه من الطبيعي أن يختار الأقباط الفريق شفيق، مبررا ذلك بأنه اختيار مبني على عدة عوامل، من بينها أن الأقباط كانوا مهاجرين إلي الكنيسة منذ عقود، لكنهم انطلقوا الآن خارجها لأول مرة علماً بأنهم لم يشاركوا بالعمل الحزبي أو السياسي، ولا زالوا مُجبرين على الاختيار الطائفي وليس السياسي، فهم يصنفون دائماً ضمن الأغلبية الصامتة، لذا فقد ربط الأقباط بين الاستقرار والنظام القديم، وهو ما يبرر اختيارهم لأحمد شفيق. وعلى الجانب الآخر، يؤيد عدد كبير من شيوخ الأزهر الشريف الدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة، إذ يقول الشيخ عبد الرحمن عبد البر، الأستاذ الأزهري والقيادي الإخواني ل"الوطن"، رداً علي مخاوف الأقباط من ترشيح محمد مرسي لرئاسة الجمهورية: لابد أن أقول أولاً، الأقباط لم يجدوا حالاً أسعد من أن يعيشوا في دولة إسلامية، تستند للشريعة مما يعطي الحرية للجميع، مؤكداً أن التاريخ يشهد بأن الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية تساوي بين الجميع، وتعطي كل ذي حقٍ حقه، لافتا إلى تأكيد مرسي أكثر من مرة أن الاختيار للمناصب سيكون للكفاءة، ويتساوى في ذلك المسلم والقبطي، مشيرا إلى قول البابا شنودة قبل وفاته إن "الأقباط أفضل حالاً في ظل الدولة الإسلامية". القيادي الإخواني ونائب مجلس الشعب جمال حشمت، يرى تخوف الأقباط من الدكتور مرسي أمر غريب، مشددا على أن فكرة الدولة الدينية بعيدة كل البعد عن مشروع مرسي الانتخابي، مؤكدا أن كثير من الأقباط صوتوا لصالح نواب إسلاميون في الانتخابات البرلمانية. وبرر جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلون، تخوف الأقباط من مرسي، والتصويت على أساس ديني، بأن مرسي يتحدث في مؤتمراته الانتخابية "وكأنه أبو بكر الصديق" حسب قوله، مؤكدا أن تخوف الأقباط من "أسلمة السياسة"، وتصويتهم لطرف ضد طرف، لن يجعل الرئيس القادم طائفيا، وإنما سيخلق فقط مزيد من الأوضاع والخلافات الطائفية بعد إعلان نتائج الانتخابات، حتى حال فوز المرشح الذي صوت له غالبية الأقباط، لأنه سيطالب بمكاسب لهم، مماقد يستفز أنصار المرشح الخاسر، الذي حظي بتصويت الغالبية المسلمة، حسب قوله.