تسرى أوراق «المال» بين أصابع طامح أو طامع، الأول يستعملها فى بناء المستقبل، بتعزيز الوعى وإطلاق الطاقات الثقافية والمعرفية الكامنة، أو فى تشييد أسس التقدم المادى من مزارع ومصانع ومبان ومتاجر وسلاح، والثانى لا يشغله إلا كنزها والاستئثار بها. ومن تخالط هاتين القيمتين، أو على الحد الواصل بينهما ولدت «جريدة المال» التى تمر اليوم بالذكرى العاشرة لانطلاقها، حاملة طموح صاحبها إلى طرح جريدة مغايرة فى عالم الصحافة المتخصصة، وطمعه المشروع فى أن يحوز مكانة ونفوذا يضعه فى مصاف أصحاب التجارب الصحفية الناجحة فى تاريخ صاحبة الجلالة. وبهذه الرغبة أو تلك الرؤية أطلعنى الصديق الأستاذ حازم شريف، الذى تزاملنا فى العمل قبل أكثر من عشرين سنة فى جريدة «العالم اليوم» على مخطط تفصيلى لحلمه. ومنذ اللحظة الأولى بدا أمامى رجلا غير هاوٍ، إنما دارس بشكل دقيق الخطوة التى سيقدم عليها غير متردد ولا متهيب. كان هذا فى مكتبه فى أول مكان حلت به الجريدة فى شارع أحمد عرابى، وخرجت يومها متفائلا بأنه قادر على أن يصنع جريدة لتعيش. ولم يخب ظنى، فها هى جرائد تقوم وتملأ الدنيا ضجيجا، ثم لا تلبث أن تختفى، وتصبح أثرا بعد عين، لكن «المال» تمضى فى طريقها، تعدو لاهثة ثم تتريث متعبة، لكنها لا تتوقف، رغم الصعاب الجمة التى باتت تعترض طريق «الصحف الورقية» إثر المساحات الهائلة التى انتزعتها الصحافة الإلكترونية والصندوق السحرى الملون «التليفزيون» من حيز المقروئية المحدود فى بلادنا. استكتبنى حازم فوافقت على الفور، وأردت يومها أن أفتح نافذة أطل منها على أناس لا علاقة لى بهم، ولا أعتقد أننى يمكن أن أصل إلى عالمهم المختلف الذى أعترف بأننى أجفل منه، وقلت: أصحاب الثروات والأعمال الذين تخاطبهم الجريدة لا بد أن يجدوا شيئا يذكرهم ببعض القيم الاجتماعية والإنسانية التى ربما نسوها أو تناسوها فى زحمة التكالب على القوة. وظل مقالى الأسبوعى سنين، إلى أن توقفت لأسباب ليس هنا، فى هذه المناسبة السارة، مجال للإتيان على ذكرها، لكن والحق يقال، قد أكون قد فرطت فى أداء هذا الواجب، الذى أبنيه دوما على قناعة بأن «المال لله» وأننا وكلاء فيه، وأن لكل إنسان حق الكفاية من غذاء وإيواء وكساء ودواء وتعليم وترفيه. ولهذا كنت دوما أسأل رئيس تحرير جريدتنا تلك: متى أجد فى الجريدة صفحات تنشغل بقضايا العدل الاجتماعى وتُفضج الفجوة الطبقية الرهيبة فى بلادنا وتلقى الضوء على احتياجات الطبقة العريضة من شعبنا؟ وكانت إجابته دوما: إننا نخاطب شريحة معينة، ونقدم لها خدمة من أجل ممارسة اقتصادية أكثر علمية واحترافية، وهؤلاء هم من بوسعهم أن يقبلوا على شراء جريدتنا والاستفادة منها. ورغم أننى تفهمت وجهة نظره فإننى بقيت طيلة الوقت ممسكا بهذا السؤال، الذى زاد إلحاحه على بعد أن تحولت «المال» من جريدة أسبوعية إلى يومية، فاتسعت صفحاتها وتنوعت مجالاتها، وضمت من المحررين من ينتمون إلى هذه الطبقة المطحونة، وليس أقدر منهم أحد على التعبير عن هؤلاء المكلومين والمجروحين والمحتاجين. وأمام هذا الإلحاح لن أكف عن طلب الإجابة، ولن أتخلى عن حلم أن تهتم «المال» بما أقصده، ليس بحثا عن قراء جدد، إنما لإطلاع قرائها المستهدفين على أحوال البلد الذى يديرون فيه أعمالهم، لاسيما بعد ثورة يناير التى جعلت من العدالة الاجتماعية والعيش والكرامة هدفا نبيلا لها، ولن تنفك، بإذن الله، حتى تحققه، مهما كانت العقبات والعراقيل والعثرات ومحاولات اللصوص لسرقتها أو حرفها على مسارها. تتوالى السنين وتصمد «المال» ولا يتوقف طموح من أطلقها، وكذلك فريق العمل المتميز الذى يسانده ويساعده، وتقوم التجربة على أكتافه. ومع الأيام أمدت الجريدة سوق الصحافة المصرية بمحررين أكفاء فى القضايا الاقتصادية الجزئية، التى تغيب أو تقل فى الصحافة القومية والخاصة، قياسا إلى ما يجب أن تنشغل به صحيفة متخصصة فى الشئون الاقتصادية البحتة، وهذا نجاح يحسب للجريدة من دون مجاملة ولا افتعال.