■ على عكس المنطقى، عندنا فى مصر يبدأ الطفل فى مناداة والده ووالدته ب(بابا) و(ماما)، ثم يتحدث عنهما حين يكبر واصفاً إياهما (أبويا) و(أمى). ■ لسبب غير معروف يغضب الأب والأم حين تكبر وتحدثهما ب(أبويا) و(أمى) على اعتبار أنها بيئة وينصحانك بأن تقول (بابا) و(ماما) زى الناس المتربيين. أنا شخصياً بحثت كثيراً عن سبب لهذا الغضب غير المبرر إلى أن هدانى الله للإجابة الوحيدة التى أقنعتنى، وهى أن الأب لا يريد أن يقول له ابنه (أبويا) على غرار الواد منصور فى وا إسلاماه (أبويا بويا بويا بويا.. كل الحصان يابويا)، وكذلك الواد منصور فى مدرسة المشاغبين (أبويا اتحرق.. هييييه.. أبويا اتحرق.. هيييه)، أما الأم، فهى لا تريد أبداً أن تتذكر أنها (خلفتنى) أساساً، ولا تريد لأحد أن يحدثها بطريقة مارى منيب فى دور الحماة: (أمك.. أممممممك.. مدوّباهم اتنين). ■ يظل فى داخلك رغم مرور الزمن حنين غريب لوالدك الذى لم تكن تراه كثيراً بسبب (شغله)، ويكون فى فترة من فترات حياتك مثلك الأعلى، لكنك فى نفس الوقت تظل تخافه لأن أمك المرابطة بجوارك آناء الليل وأطراف النهار تهددك به حين (يغلب حمارها) معك من شقاوتك. ■ ستعترض كثيراً على طبيخ أمك، وستتقبل هى نقدك بمنتهى الهدوء، بعد أن تفشل محاولاتها هى وأبوك فى إقناعك أن (كل أكل ربنا حلو)، وحين ستكبر ستفتقد هذا الأكل بشدة بعد أن تجرب أكل مراتك، ولا تجرؤ على الاعتراض عليه لأسباب تتعلق بسوفت وير يتم تصطيبه فى هارد كل واحد بيتجوز جديد. ■ فى المرحلة التى ستخجل فيها من أمك حين تريد أن (تحميك)، ستكتشف أنك كبرت لدرجة أنك تريد أن تقلد والدك وتجلس فى البيت بالملابس الداخلية (لم يتوصل العلم حتى الآن لسبب هذه الظاهرة عند الرجال المصريين.. أقصد الجلوس بالملابس الداخلية لا الحموم). ■ شىء غريب أن تنزعج حين يسب أحدهم أمك، وتغضب بشدة لدرجة قد تدفعك فى بعض الأحيان لارتكاب جريمة، لكن غضبك لا يكون كما هو لو سب أحدهم أباك.. ولعل هذا هو سبب وجود عيد للأم مع عدم وجود عيد للأب. ■ لسبب غير مفهوم.. يستخدم كثيرون شتيمة الأب والأم فى السباب والحط من شأن الآخرين وإهانتهم (ياض يابن ال...... ، يا بنت يا بنت ال....)، لكن الغريب فى الوقت نفسه أنهم يستخدمونها.. فى التهريج مع بعضهم البعض على سبيل الصداقة والصحوبية (واد فقرى ابن...... / بت بنت..........)، ويستخدمها البعض الآن - وياللعجب - للإشادة بآخرين (واد ابن....... فاجر = متمكن مما يفعله). ■ تظل تخاف من زعل أبوك وأمك مهما كبرت، ومهما (زعلتم من بعض) - ده لو سعادتك عندك أصل يعنى - وتظل تحبهما لدرجة أنك حينما تنزل المظاهرات من ورائهما لا يهمك أن تواجه الأمن المركزى، ولا أن يضربوك، ولا أن تشم غاز القنابل منتهية الصلاحية، بقدر ما يهمك أن تنتحى جانباً بعيداً عن الهتافات لو جاء لك تليفون من أحدهما ليسألك: إنت فين.. إوعاك تكون فى التحرير والثورة والكلام ده، فيكون ردك: يا بابا دى ناس فاضية أنا قاعد بالعب بلاى استيشن.. حتى سامع صوت الهتاف.. قصدى صوت اللعبة!!!، ويكون همك ألا يقبض عليك، ليس لأنك تخاف مما سيحدث بك، لكن لأنك لا تريد أن (تشحططهم) وراك. ■ من غرائب الأمور وعجائبها أن كثيراً من الناس يخفون أمر تدخينهم عن أبيهم، بينما يضعون سرهم مع أمهم التى تسلفهم باكو النعناع، وتعرف قبل الجميع أنهم يريدون الارتباط ببنت ما أو الزواج منها، وما لا يعرفه أحد أن الأم فى هذه الظروف، رغم حلفانها بإنها مش قايلة لابوك، تلعب دوراً مهماً فى إعطاء تقارير عنك لأبوك فى كل ما يتعلق بتدخينك أو بالبنت التى تحبها، لكنك لا تصدق حتى اليوم الذى تتشاجران فيه مشاجرة كبيرة فيخرج أبوك ليسيح الأمر وهو يبدأ (مش كفاية انك................، و..........................) وكمان مزعل أمك!!!! ■ ستظل لفترة كبيرة حريصاً على إخفاء اسم أمك عن زملائك وكأنه شتيمة أو سبة أو موضع تجريس، لاسيما بعد أن يعرف أحدهم اسمها ليناديك وسط زملائك: ياض يا ابن............ (اسم أمك)، وهو السبب فى كثير من خناقاتك الغريبة فى فترة الصبا، كما أنك ستتضايق حين يقول أحدهم عنك أنك (ابن أمك)، وكأنك (مش ابنها) ويجب أن تتبرأ منها فوراً، ورغم أن من يقولها يقصد أنك تمشى (بدماغ أمك) لكن الغضب من (ابن أمك) فى الأساس إهانة لأى أم، وكم من أم ربت أبطالاً بحق، وكم من أم (رزتنا) بناس تفقع.. الله يسامحها بقى، وينسحب الأمر أيضاًً على من سينادى غيره على طريقة الشتيمة بأنه (تربية واحدة ست)، وكأن الست لا تربى أحداً، أو أن تربيتها مشينة، أو أن السيدات لا سمح الله سمعتهن سيئة فى التربية، رغم أن كلنا تقريباً (تربية واحدة ست) لأن الرجل فى شغله، بينما الست/أمك هى التى تربى فى الأساس، وحين ستكبر، وتحاول أن تقرأ فى الموضوع ستجد أن تأصيل الموضوع تاريخى، وله علاقة بالمماليك معدومى النسب، والذين كانوا يباعون فى الأسواق أيام الرق، وكان الموضوع يسبب لهم مشكلات عديدة، جعلتهم حين كانوا فى مصر يشيعون (شتيمة الأم)، ويتناولونها بوصفها شتيمة بشعة لأنها تشكك فى النسب مباشرة، فأرادوا أن يهينوا المصريين مثلما يشعرون بالإهانة. عموماً فأمك مظلومة كثيراً، ويكفيها أنها حفيدة لناس فى الجاهلية كانوا (يئدون) النساء، وهم بدورهم أحفاد لمن كان يتهم حواء (وحدها) بأنها سبب خروج آدم من الجنة. ■ ستكون هنا مشكلات كبيرة لو كان أبوك يشجع فريقاً (الأهلى مثلاً)، وأمك تشجع فريقاً آخر (الزمالك بعد الشر)، لتجد نفسك فى صراع نفسى مبكر لا يحسمه سوى قرارك أنك لن تشجع فريقاً احترف الخسارة إلا عشان خاطر أمك، وآهو مزاج أبوك الأهلى مظبتهوله على طول!! (كاتب هذه السطور من عائلة أهلاوية ولا تصدق أى شائعات مغرضة بخلاف ذلك حيث هدفها التشويه). ■ مما سيدمعك إذا فقدت أحدهما أو كليهما (حفظهما الله لك وبارك فى عمريهما)، أنك حين كنت تنام فى أى مكان وأنت صغير كنت تستيقظ فى اليوم التالى لتجد نفسك وقد أحضرك أحدهما أو كليهما إلى فراشك وغطاك جيداً لتنام فى هدوء.