أصحاب المعاشات، أو بمعنى أدق «أصحاب المعاناة»، أو بمعنى آخر «الساقطون دائماً من اهتمام الحكومة»، هم شريحة كبيرة من المجتمع المصرى يبلغ عددهم نحو 9 ملايين صاحب معاش و22 مليوناً من المؤمن عليهم بالقطاعين الحكومى والخاص. * معانتان شهرية وسنوية.. لأصحاب المعاشات معانتان لا تنتهيان أبداً، إحداهما شهرية والأخرى سنوية، والمعاناة مستمرة على مدار الحكومات، السابقة والحالية، وذلك لعدم اهتمام أى حكومة بهم، الأولى هى معاناة دورية شهرية تبدأ حين يخرج صاحب المعاش فى أواخر كل شهر ليتجه إلى مكتب التأمينات التابع له لصرف معاشه المستحَق، ليقف فى طوابير ممتدة حتى يتمكن من صرف معاشه بعد طول انتظار داخل تلك الطوابير. ورغم أن وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية أطلقت خدمة الكروت الذكية لأصحاب المعاشات للتخفيف عليهم من الوقوف فى الطوابير فإن تلك الخدمة لن تأتى بأهدافها، كما يقول سليمان عبدالفتاح صاحب معاش، مؤكداً أن أغلب أصحاب المعاشات لا يُجيدون التعامل مع «الفيزا كارت» ولا يستطيعون الحصول على القيمة الإجمالية لمعاشهم من الكارت الذكى. المعاناة السنوية لأصحاب المعاشات تأتى مع حلول شهر يوليو كل عام، حيث ينتظر 9 ملايين صاحب معاش العلاوة السنوية التى تحدّدها الدولة لهم، ودائماً ما يسبق تحديد العلاوة وقفات احتجاجية وإضرابات من أصحاب المعاشات من أجل مساواتهم بالعاملين بالدولة ومنحهم علاوة يستطيعون من خلالها التغلُّب على الارتفاع الجنونى للأسعار. * العلاوة السنوية تُعطَى بالشمال وتُأخذ باليمين.. حالة من الاستياء سيطرت على أصحاب المعاشات بعد قرار الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، منح العاملين بالجهاز الإدارى للدولة وأصحاب المعاشات علاوة قدرها 15% فى يوليو الماضى، بحد أدنى 50 جنيهاً ودون حد أقصى. وأكد أصحاب المعاشات أن قرار زيادة العلاوة على الأساسى لن يمنحهم مواكبة الارتفاع الجنونى فى الأسعار، مطالبين بأن تُشدِّد الحكومة مراقبتها على الأسواق وتثبيت الأسعار ومواجهة جشع التجار. ويقول محمد الشافعى صاحب معاش، إن التجار بمجرد سماعهم صدور قرار بالعلاوة السنوية لأصحاب المعاشات والعاملين بالدولة فإنهم يستغلون ذلك فى رفع الأسعار، مما يعود بالضرر على أصحاب المعاشات لعدم استفادتهم من الزيادة المقرّرة. * الاعتصام أو تثبيت الأسعار.. تُجهز حالياً حركات ونقابات المعاشات لمواجهة الحكومة حال إقرار العلاوة السنوية خلال شهر يوليو المقبل، مطالبين بأن تكون العلاوة على الشامل، لا على الأساسى. وأكد الائتلاف القومى لأصحاب المعاشات أنهم سيُضربون عن الطعام إذا كانت العلاوة القادمة بنفس نسبة علاوة العام الماضى 15%، وفى ظل ارتفاع الأسعار، مضيفاً: «لا فائدة من إقرار علاوة وسط زيادة الأسعار يوماً بعد يوم». وقال البدرى فرغلى رئيس اتحاد أصحاب المعاشات، إن القيمة الشرعية للمعاش تخفض بنسبة 50% مع تزايد الأسعار، مضيفاً: «نطالب بأن تكون العلاوة السنوية على شامل المعاش». وأكد «فرغلى» ل«الوطن» أنه حال زيادة الأسعار دون زيادة فى المعاشات سيكون البديل هو الخروج إلى الشارع والدعوة إلى الاحتشاد، ضد دولة الإخوان، على حد وصفه. من جانبه طالب سعيد الصباغ الأمين العام للنقابة العامة لأصحاب المعاشات، بأن يصدر قرار بصرف علاوة دورية سنوية لأصحاب المعاشات تتحمّلها صناديق التأمينات مثلما يتم فى الحكومة وقطاع الأعمال العام، كوسيلة لمواجهة الزيادة فى الأسعار الفترة المقبلة، بخلاف العلاوة الاجتماعية التى تتحمّلها الخزانة العامة للدولة. * خيبة أمل فى بنك ناصر.. ويضيف مسلم أبوالغيط نائب رئيس حركة الدفاع عن أصحاب المعاشات، أن ما فعله أصحاب المعاشات من أموالهم لا يستطيعون الانتفاع منها، مشيراً فى ذلك إلى عدم تمكنهم من الاقتراض من بنك ناصر الاجتماعى، قائلاً: «أغلب أصحاب المعاشات لا يتمكّنون من زواج أولادهم والاقتراض من بنك ناصر، حيث إن نسبة الفائدة للقروض الحسنة به 17%». ويؤكد «أبوالغيط» أن أصحاب المعاشات مصابون ب«خيبة أمل» من بنك ناصر الاجتماعى لعدم تمكُّنهم فى أغلب الأحيان من الاقتراض من بنك ناصر، رغم إعلان الدكتورة نجوى خليل وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية، أن إجمالى ميزانية بنك ناصر الاجتماعى خلال النصف الأول من العام المالى 2012/2013 بلغ 9.185 مليار جنيه بزيادة قدرها 712 مليون جنيه بنسبة تطوّر 8%، فضلاً عن صرف مِنح وإعانات للأسر الفقيرة ذوى الحاجات الإنسانية، بلغت 17 مليون جنيه لعدد 11128 مستفيداً، متسائلاً: «أين أصحاب المعاشات من تلك المبالغ المنصرفة؟». * مصير المديونيات الضائعة.. تواجه الدكتورة نجوى خليل وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية، أزمة كبيرة مع كيانات أصحاب المعاشات بسبب رفضهم الجدولة التى تم الاتفاق عليها مع وزارة المالية، لاسترداد أموال التأمينات، التى تضمّنت أن يتم استرداد أموال المديونيات على أجزاء ببداية كل عام مالى. وشكّلت «خليل» لجنة لاسترداد أموال التأمينات، مؤكدة أن عملية الاسترداد مرتبطة بعدة مراحل أهمها رفع معدل العائد على الصكوك الموجودة فى الخزانة العامة للدولة، فضلاً عن الفوائد غير المثبتة، والتى تقدر بحوالى 145 مليار جنيه. وحسب تقديرات وزارة المالية، فإن مستحقات هيئة التأمينات والمعاشات لدى الحكومة تقدّر بنحو 447 مليار جنيه مقسّمة بواقع 200 مليار جنيه صكوكاً و66 ملياراً لدى بنك الاستثمار القومى، بالإضافة إلى الفوائد المتأخرة، التى تظل محل خلاف، فبلغت 145 مليار جنيه. وعقب الانتهاء من إقرار موازنة العام المالى الجديد، تم إقرار تسوية مديونيات التأمينات وفقاً للقدرة المالية للموازنة العامة للدولة، حيث تضمّنت الموازنة الجديدة 10 مليارات جنيه للتأمينات، وتم تحويل مبلغ مليار جنيه منها فى يوليو الماضى إلى الصندوق الحكومى. وقالت الدكتورة نجوى خليل إن الجدولة الموضوعة مع وزارة المالية حول استرداد أموال المديونيات، تنفّذ كل عام بسداد وزارة المالية الدَّين المستحق لعدم تراكم مديونيات العام الجديد على مديونيات الأعوام الماضية. وأضافت الوزيرة فى تصريح ل«الوطن»: أموال أصحاب المعاشات لا يجرؤ أحد على أن يفرط فى مليم واحد منها، لأنها مال خاص يهدف إلى الربح العام»، موضحةً أن مديونيات العام الواحد تُمنح للوزارة شهرياً، حتى يستكمل سداد قيمة الدين فى نهاية العام. من جانبها قالت ثريا فتوح رئيس صندوق التأمين الاجتماعى للعاملين بقطاع الأعمال العام، إن قيمة مديونيات العام الواحد للصندوق الخاص تبلغ 7 مليارات و350 مليون جنيه، بخلاف القيمة المستحقّة لصندوق العاملين بالقطاع الحكومى. * نسيان وتجاهل من الحكومة.. دائماً ما تتجاهل الحكومة أصحاب المعاشات، خصوصاً فى الاجتماعات التى تُعقد بين وزارتى التأمينات والمالية لمناقشة أى قضايا تتعلق بهم، واتضح ذلك مراراً، سواء لمناقشة جدولة سداد المديونيات المستحقة للتأمينات لدى وزارة المالية أو لمناقشة تحديد قيمة العلاوة السنوية فى بداية كل عام مالى، أو لإقرار قانون التأمينات الجديد. ورداً على مطالب كيانات المعاشات لحضور تلك الاجتماعات، باعتبار أنه لناقش قضايا مصيرية لهم، يكون رد الوزارة بضرورة أن تكون هناك موافقة من مجلس الوزراء بأن تلك الكيانات تمثل أصحاب المعاشات لكى يتم اختيار ممثلين من بينهم. وانتقد الدكتور شكرى عازر رئيس نقابة التضامن، مع أصحاب المعاشات فى تصريح ل«الوطن» أن تُجرى تلك الاتفاقيات بين الوزارتين دون حضور ممثلين لأصحاب المعاشات، مطالباً بحضور ثلاثة خبراء فى مجال التأمينات والمعاشات، وهم الدكتور أحمد البرعى أستاذ القانون وزير القوى العاملة الأسبق، والدكتورة ميرفت التلاوى وزيرة التأمينات السابقة، والدكتور سامى نجيب الخبير فى مجال التأمينات. * دستور لا يحمى 9 ملايين صاحب معاش رفض نقابات وحركات أصحاب المعاشات خلو مسوّدة الدستور من مادة تحمى حقوقهم وتحافظ على أموالهم لضمان الاستثمار الآمن لها، كما كان يتضمن دستور 71 ذلك، طبقاً لهم. ويتساءل البدرى فرغلى: «كيف يمكن إقرار دستور ليس فيه مادة واحدة تحمى تحويشة عمر 9 ملايين صاحب معاش و22 مليوناً من المؤمن عليهم؟»، مضيفاً: «الدستور تمت صياغته لصالح بعض فئات المجتمع ممن لهم مصلحة فى إخفاء حقيقة الأموال». وشدد «فرغلى» على أن أموال التأمينات يتطلب لها مادة تحدّد استثمارها فى الدستور وتحدّد كيفية التصرف فيها، معتبراً أنه كان هناك أشخاص فى الجمعية التأسيسية لها مصلحة فى إخفاء حقيقة أموال التأمينات. * قانون التأمينات ورفض أصحاب المعاشات.. تناقش حالياً وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية قانون التأمينات الجديد بمجلس الوزراء، وسط رفض الكيانات الممثلة لأصحاب المعاشات التعديلات المقترَحة لمشروع القانون، مؤكدة أنها التفاف على حقوق أصحاب المعاشات والمؤمن عليهم. ورأى الائتلاف القومى لأصحاب المعاشات أن التعديلات ستعود بآثار سلبية مدمّرة للأسرة المصرية وجميع المستحقين، خصوصاً فئة المطلقات والأرامل، قائلاً إن المقترحات المقدّمة لا تعبر عن نبض أصحاب المعاشات والمؤمَّن عليهم. ورفض الائتلاف التعديل الذى طرأ على المادة (5) بالقانون الذى نص على احتساب جهة العمل الأخرى التى يعمل بها بعض العاملين الذين يحصلون على إجازات خاصة لغير العمل، ويعملون خلال الإجازة بالقطاع الخاص، رافضاً اعتبار جهة العمل الأخرى فى حكم العمل الأصلى. ورفض الائتلاف نص المادة (18) على أن المؤمن عليه الذى يستحق المعاش يُشترط ألا يكون خاضعاً لأحكام أىٍّ من قوانين التأمين الاجتماعى فى تاريخ تقديم طلب الصرف، وألا تقل السن فى هذا التاريخ عن 45 سنة، وألا تقل مدة اشتراكه فى التأمين عن 360 شهراً، منها مدة اشتراك فعلية مسدد عنها اشتراكات لا تقل عن 240 شهراً، واصفاً التعديل المقترح بأنه ظلم وإجحاف بحقوق الكثيرين فى ظل الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها البلاد. إلا أن الوزارة أوضحت فى المذكرة المعروضة على مجلس الوزراء أن سبب تعديل تلك المادة جاء نظراً لازدياد حالات المعاش المبكر، مما يؤثر على التوازن المالى لصناديق التأمين الاجتماعى. واعترض الائتلاف أيضاً على ما نصت عليه المادة (24) التى نصّت على أن يكون الحد الأدنى النسبى لإجمالى المعاش وزياداته لأجر الاشتراك التأمينى بنسبة 65%، شاملاً كل الزيادات والإعانات فى تاريخ الاستحقاق. وشدد الائتلاف على رفضه حذف المادتين (104 و105) بشأن حذف المرأة المطلقة من المستحقين لصرف المعاش حال وفاة المؤمَّن عليه أو صاحب المعاش، حيث تم تحديد المستحقين على أنهم الأرملة والزوج والأبناء والبنات والوالدين والإخوة والأخوات الذين تتوافر فيهم شروط الاستحقاق فى تاريخ الوفاة، مستنداً فى رفضه إلى حكم المحكمة الدستورية العليا التعديل، وألغى العبارة التى وردت بالمادة وهى (أن يتم إثبات العلاقة الزوجية بحكم قضائى حال حياة الزوج). وحذّر الائتلاف من تدمير للأسرة المصرية وتهديد للسلام والأمن الاجتماعى وإهدار الحقوق بسبب التعديل المقترح على المادة (114) التى نصت على أنه إذا طُلقت أو ترملت البنت أو الأخت أو عجز الابن أو الأخ عن الكسب بعد وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش، يُعاد توزيع المعاش، ويُمنح الابن أو الأخ الذى لم يكن تتوافر فيه شروط استحقاق المعاش فى تاريخ وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش.