قال لنفسه: لماذا لا أتحدث معه، وهو على بعد خطوات منى؟!.. هل سيقولون إن «مرسى» زار «مبارك» فى غرفته بالمستشفى؟!.. قطعاً ستكون «فضيحة» إذا انكشف الأمر.. الإعلام فى مصر سافل ومتآمر ويكرهنى.. مع أن المشكلة ليست فى الإعلام.. أكيد المرشد هيزعل جامد.. وأكيد «الشاطر» هيعمل لى أزمة كبيرة.. بلاش.. خليك فى حالك..! هكذا.. قال مرسى لنفسه وهو يقف وسط حرّاسه فى مستشفى المعادى العسكرى.. كان الرجل يزور مصابى حادث قطار البدرشين.. وبينما كان يهمّ بالانصراف لمعت فى ذهنه هذه الفكرة.. ولكنه سرعان ما تراجع خوفاً من «مكتب الإرشاد».. فهو لم يستأذن أحداً لزيارة «مبارك» القابع فى غرفة بذات المستشفى.. وقبل أن يستقل سيارته الفارهة، التى بات يحبها كثيراً، لأن فرشها «جلد» وإزازها «كهربا».. قرر الرجل أن يستأذن «المرشد» فى أن يمر على «مبارك» ليتحدث معه فى أمر ما..! مرسى: آلووو.. السلام عليكم يا فضيلة المرشد. بديع: عليكم السلام يا مرسى.. إزى الحال.. خلّصت زيارة المصابين؟.. المهم تقول كلمتين حلوين للصحفيين عن الدم الغالى ومحاسبة المقصرين والمهملين، وحاول تبان متأثر وحزين، ويا ريت تنزّل «دمعتين» أمام الكاميرات. مرسى: سمعاً وطاعة يا فضيلة المرشد.. بس.. بس.. بس.. بديع: بس إيه يا مرسى؟.. شكلك عامل عملة.. هات من الآخر. مرسى متردداً: والله برىء يا فضيلة المرشد.. أنا بس عايز.. عايز.. عايز. بديع: يووه.. يابنى اتكلم.. ما تخافش.. مرسى وقد رفع الموبايل عن أذنه ونظر إليه شذراً ومتمتماً بكلمات غير مفهومة: بصراحة.. أنا.. وقبل أن يكمل.. قاطعه بديع: انت ب«بتقول» إيه، شكلك بتشتم يا مرسى..؟! مرسى مرتعداً: لا والله فضيلتك.. أنا ب«كُح». بديع: طيب.. خلّص.. عايز إيه؟! مرسى يأخذ نفساً عميقاً: أيوه.. أنا بقه عايز أعدّى على «مبارك» فى المستشفى.. عايز أتكلم معاه شوية. بديع: يانهارك مش فايت.. بتقول إيه..؟!.. إنت حتى بتقول «مبارك» مش «المخلوع»..؟! مرسى وقد تصبّب عرقه: العفو والسماح يا فضيلة المرشد.. مش قصدى والله.. ده أنا بس غلطت فى اسمه من ارتباكى، أصل فضيلتك لك هيبة «طحن» بتخلى الواحد «يزروط» فى الكلام.. أنا قصدى «عايز أعدّى على المخلوع ابن المخلوعين».. ممكن؟! بديع صارخاً: انت اتجننت.. مخلوع إيه اللى تزوره وتتكلم معاه؟!.. اركب عربيتك فوراً وروّح بيتكم.. وبعدين هشوف شغلى معاك..! مرسى بلهجة توسُّل: والنبى يا فضيلة المرشد.. يا رب تحج.. سايق عليك سيدنا النبى.. أنا عندى «فكر» فى دماغى.. أنا طبعاً مش عايز أطّمن عليه، داهية تاخده.. أنا عايز أتكلم معاه فى كام موضوع كده..! بديع بعد فترة صمت: اسمع يا مرسى.. أنا ما أقدرش أفيدك فى الموضوع ده.. لازم تستأذن «خيرت».. انت عارف إنه بيعمل مشاكل كتير لما حاجة بتّم من وراه. مرسى متوسلاً: يا فضيلة المرشد.. أنا.. أ.. أ.. أنا.. قاطعه بديع بلهجة حاسمة: أنا قلت اللى عندى.. كلّم «الشاطر».. مع السلامة.. تك.. تك.. «أغلق المرشد السماعة».. مرسى يقذف بالموبايل على كنبة «السيارة».. ويصرخ بحدة: «ماشى.. ماشى.. جتكم ستين..... هُمّه فاكرين إنهم اشترونى.. طيب والله ما هكلم «الشاطر».. أنا الريس.. أيوه أنا الريس..! ثم ينظر حوله.. ويوجّه حديثه للحارس الشخصى الذى يجلس فى المقعد الأمامى للسيارة: مين الريس يا بنى فى البلد دى؟!.. يجيب الحارس بصوت خفيض: سيادتك يا فندم..! فيبادره مرسى: طيب وقّف هنا.. وأنا هنزل أسأل الناس فى الشارع: مين الريس؟! يرتعد الحارس والسائق ويصرخان فى صوت واحد: لأ.. بلاش يا ريس.. لو سيادتك اتكلمت مع الناس هتحصل مشاكل كتير. يهمس السائق فى أذن الحارس: ده مش عايش فى البلد.. ده لو نزل من العربية هنتقطع كلنا، ويمكن الناس تعلقنا فى «العواميد»..! مرسى للاثنين: فعلاً عندكم حق.. بلاش الناس.. ما انتم بتقولوا لى يا ريس.. وانتم ناس.. يبقى فعلاً أنا الريس.. وعلشان كده مش هكلم «الشاطر».. مين الشاطر ده. كل حاجة الشاطر.. الشاطر.. الشاطر.. مع إنى كنت أشطر منه فى المدرسة.. ده أنا اشتغلت فى «ناسا»..! يقاطعه الحارس سريعاً: كمان بلاش «ناسا» دى يا ريس.. ولو تسمح لى يا افندم أقول رأيى..! مرسى: ماشى يا عم.. ما هى زاطت.. الحارس: بصراحة.. أنا شايف إن حضرتك تكلم «خيرت باشا».. إحنا مش ناقصين مشاكل.. وكمان مش كل شوية نسمع حكاية «إحنا صارفين عليك 600 مليون جنيه علشان تبقى ريس».. وحكاية الاستبن كمان.. وحضرتك عارف إن «خيرت باشا.. جامد قوى.. و.. و.. و.. ». مرسى متراجعاً: خلاص.. خلاص.. جتك داهية.. بس أنا حلفت ما هكلّمه.. يصمت مرسى لحظات ويستطرد: مش مشكلة.. أصوم كفّارة يمين.. الواحد برضه يكفّى خيره شره.. بس مش لازم تفكّرنى كل شوية بحكاية «خيرت جامد».. أنا كمان «جامد».. يمسك «مرسى» بهاتفه.. ويرن على «خيرت» بأصابع مرتعدة: ألووو يا باشا.. السلام عليكم.. خيرت: وعليكم يا مرسى.. مرسى بسرعة: إزى الحال والمزاج و«المود».. إوعى يكون مزاجك متعكر؟! خيرت: أنا مش فاضى.. عندى اجتماعات كتير.. عايز إيه؟ مرسى: أنا فى مستشفى المعادى.. وعايز.. عايز.. عايز.. أمرّ على «المخلوع» واتكلم معاه شوية. خيرت: بتقول إيه؟!.. وقبل أن يكمل.. صمت «خيرت» قليلاً.. وكأنه يحسبها جيداً.. ثم أردف: مفيش مانع..!! اندهش «مرسى».. وسأله: معقولة وافقت بسهولة كده؟! خيرت: أكيد انت شايف إن اللقاء مفيد.. توكل على الله..! مرسى بعد أن أغلق الهاتف: فهمتك يا شاطر.. حسبتها فى كام ثانية.. عايز تحرقنى عند الناس أكتر.. يا ابن اللذينه.. بس أنا أذكى منك.. ماحدش هيشوفنى ولا هيعرف.. ده أنا مرسى والأجر على الله..! المشهد الثالث: «مرسى» فى جناح «مبارك» بالمستشفى.. كان الأخير مستلقياً على سريره، وكان الأول قد تسلل له من الباب الخلفى دون أن يراه أحد.. نظر إليه «مبارك» مفزوعاً وصرخ: «جاى تعمل إيه هنا يا....؟!». بادره «مرسى» سريعاً: ما تخافش.. أنا عايز أتكلم معاك شوية..! مبارك محاولاً النهوض والاعتداء عليه: وأنا مش عايز أشوف وش حد فيكم.. إطلع برّه يا إما هصرخ وألمّ الناس فى المستشفى كلها..! مرسى ينظر إلى الحارس ويأمره بحدة: هات حبل بسرعة واربطه فى السرير علشان ما يعرفش يتحرك..! لحظات وكان «مبارك» مربوطاً فى سريره.. غير أنه كان يحاول النظر إلى جهاز التليفزيون المعلق على الجدار فى مواجهة السرير. التفت «مرسى» إلى التليفزيون، فوجد المظاهرات الحاشدة التى تهتف ب«سقوطه ومحاكمته».. نظر إلى «مبارك» غاضباً وقال: طبعاً فرحان وشمتان فىَّ؟! رد مبارك مقهقهاً: يا راجل.. ده انت المفروض تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية.. ده انت أستاذ وأنا تلميذك..! نهره «مرسى» بعنف.. وشبّ لأعلى، وأغلق التليفزيون، واستدار لمبارك وقال: عايز أتكلم معاك شوية..! أشاح «مبارك» بوجهه جانباً.. وقال بحدة: مش هتكلم معاك إلا إذا فكّيت «الحبل» وفتحت التليفزيون..! الأسبوع المقبل.. نواصل.