ماذا بقي من باد غودسبيرغ الحيّ الدبلوماسي سابقاً التابع لمدينة بون الألمانية، أو الحي العربي كما يحلو للبعض اليوم تسميته؟! هل أضاف العرب إليه تنوّعاً ثقافيّاً؟! أصواتُ أناسٍ تتعالى وهم يلعبون "طاولة الزهر" اللعبة الشرقية المشهورة، وعلى بعد أمتارٍ قليلةٍ مطعمٌ تفوح من مطبخه روائح التوابل والأطعمة العربية، وزبائنٌ أنهوا طعامهم وجلسوا إلى طاولاتٍ قبالة المطعم يرتشفون أكواب الشاي. منقّباتٌ بزيّهنّ الأسود وأخريات بملامح عربية محجّبات أو غير محجّبات. رجالٌ بأثوابهم البيضاء ولحاهم الطويلة، وآخرون ارتدوا الجينز أو ملابس الصيف. محلات تجاريةٌ رفعت لافتاتٍ كُتبت باللغة العربية؛ في مشهدٍ يُشعرك للوهلة الأولى أنك في مدينة عربيةٍ، إلى أنْ ترى من بعيد فتاةً شقراء تقود دراجتها الهوائية فتتنبه من جديد إلى أنّك في ألمانيا، وفي حي باد غودسبيرغ بمدينة بون. المقاهي بؤرُ توترٍ أم جسور تواصل يضمّ حي باد غودسبيرغ كثيراً من المطاعم العربية،ومقاهي الشيشة؛وبات الطابع الشرقي يطغى على مظاهر الحياة داخله. حول هذا الموضوع التقتDWسامهان أبو داليا صاحب أحد المقاهي في حي باد غودسبيرغ، حيث أطلعنا على واقع الجالية العربية داخل هذا الحي. يرى أبو داليا إنّ تجمّع العرب ليس بالشيء الجديد في هذا الحي، فقد كان سابقاً مقرّاً لكثيرٍ من البعثات الدبلوماسية العربية منها وغير العربية؛حيث كانت مدينة بون عاصمةً لألمانياالغربية آنذاك. وبالتالي فمن الطبيعي أن يتردّد العرب على هذه المقرات بهدف متابعة أمورهم، ويتابع قائلاً: "إنّ وجود المحلات العربية، والمقاهي أعطى طابعاً شرقياً للمكان أسهم بزيادة إقبال السائحين على هذه المنطقة". في المقابل هناك من يرى أنّ بعض هذه المقاهي بدأت تتحول إلى أماكن لتجمّع مدمني المخدّرات، ومُثيري الشغب داخل الحي؛ وشاءت الصدفة أن تُسجّل DWأثناء تجولنا في الحي وجود الشرطة الألمانية، حيث كانت تقوم بتفتيش إحدى المقاهي بحثاً عن مشتبه بهم؛ ولدى سؤالنا عن احتمال تحوّل هذه المقاهي إلى بؤرٍ للتوتر، أجاب أبو داليا: "يأتينا كثيرٌ من الزبائن الألمان، وهم يشعرون بالسعادة لدى اطّلاعهم على ثقافتنا وعاداتنا، لكنّهم باتوا مؤخراً يخشون من بعض الفئات التي تصدر عنها تصرفات سيئة قد تؤثّر على علاقتهم بالآخرين". في إشارةٍ إلى تلك المقاهي التي كثرت الشكاوى ضدّها من سكان الحي في الآونة الأخيرة. النقاب جدلٌ لا ينتهي يمكن لزائر هذا الحي أن يُصادف امرأةً مُنقّبةً تتسوق من المحلات التجارية، كما يمكن أن يرى في الوقت نفسه امرأةً محجّبةً وأخرى دون حجاب، الأمر الذي يُعطي انطباعاً عن التنوع الموجود داخل هذا الحي، ربما قلّما يوجد في غيره من أحياء مدينة بون . وتبعاً لهذا التنوع، تنوّعت الآراء أيضاً حول النقاب.تحدّثنا إلى ماريا،وهي مُدرّسة للغة الألمانية، التي أكّدت على الحريّة الشخصية في ارتداء النقاب أو عدمه؛ ولكنّها رأت أنّ الحرية يجب أن تُعطى للمرأة في اتخاذ هذا القرار، قالت: "أنا لا أرى في النقاب ما يزعجني، لكن اعتقد أنّ من يقرر هذا الأمر هو السيدة التي ترتديه،وهل هي مجبرةٌ على ذلك، أم إنّها تمتلك حرّيتها في ارتدائه". إيليناالنادلة التي التقيناها داخل المقهى الإيطالي أيدت بدورها هذا الرأي حيث قالت:"لا أرى في ذلك أيّ مشكلةٍ ما دام الأمر حريّةً شخصية". أمّا كريستيان وهو طالب جامعي قادمٌ من شرق ألمانيا، فهو يرى أنّ التكيّف مع المجتمع الجديد أمرٌ ضروري لاستمرار الحياة بشكلٍ طبيعي، وعن رأيه بالنقاب يقول: "أجد مشكلةً في التعامل مع شخص لا يمكنني رؤية وجهه، ولكن لا يوجد لدي مشكلة في وجود أجانب سواء أكانوا كثر أم قلّة، فالمهم أن توجد حلول وسط لدمج هؤلاء مع الآخر دون تقييد حريّتهم أو حريّة الآخرين". في الإطار ذاته هناك من يرى في النقاب انتهاكاً لحريّة المرأة بشكل واضح، إضافةً إلى أنّه يُشكّل ملمحاً غريباً داخل المجتمع الألماني، وقد يؤثّر سلباً على اندماج اللاجئين. وهذا ما أكّدته المستشارة الألمانية (أنغيلا ميركل) في حديث لها نشرتهDWسابقاً. إذ قالت: "النقاب مُعادٍ للاندماج،وقلّما يتيح الفرصة للنساء لكي يندمجن في مجتمعنا". مجتمعاتٌ موازيةٌ ازدادت في الآونة الأخيرة حدّة النقاشات حول إمكانية اندماج اللاجئين داخل المجتمع الألماني، كما أُثيرت مخاوف عدّة من أن يؤدّي تجمّع اللاجئين داخل أحياء خاصّة بهم إلى تشكّل مجتمعات موازية داخل المجتمع تؤثّر سلباً على اندماجهم مع الآخرين. السيدة بياتا وهي ألمانيّة مُقيمة داخل هذا الحي،تقول:"لا أظنّ أنّه من الجيد أن ينعزل العرب وحدهم داخل تلك الأحياء، فهم سيكونون بعيدين عن اللغة، والعادات، والقوانين الألمانية؛ وبالتالي سيكونون غرباء داخل ألمانيا". كارولين وهي بائعة في إحدى المحلات التجارية، فقد تحدّثت عن زبائنها باختلاف أعراقهم، ورأت أنّ الوجود العربي يُثري التنوع الثقافي والاجتماعي داخل ألمانيا، وقالت: "العرب كغيرهم من الشعوب يوجد فيهم الجيّد والسيّئ، فالأمر نسبي. لكن في المجمل هم قادرون على الاندماج إذا ما رغبوا في ذلك. ولا مشكلة لدي معهم". إحدى السيدات من المهاجرين القدامى، وهي سيّدة سورية تقيم في ألمانيا منذ ما يقارب ثلاثين عاماً، أكدّت أنّ الألمان يرحبّون على الدوام بالمهاجرين، لذا يتوجب على القادمين الجدد تعلّم اللغة الألمانية بأسرع وقت كي يتمكنوا من الاندماج مع الآخرين. سليمان الشمّري القادم من الكويت بغرض العلاج، يرى أنّ: "الجالية العربية تستطيع الاندماج مع كافة المجتمعات مع الحفاظ على هويّتها وتقاليدها، والمهم أن يبقى الجانب الإنساني ناظماً لعلاقاتها مع المجتمعات الأخرى". من ناحية أخرى شهدت ألمانيا في الآونة الأخيرة حزمة من القرارات الجديدة في ما يخصّ موضوع الاندماج، وفي مقدمة هذه القرارات منع اللاجئ من نقل محل إقامته قبل انقضاء مدّة لا تقل عن ثلاث سنوات؛ عن ذلك عبّر اللاجئ السوري أحمد المصري عن معاناته قائلاً:"أتيت من مقاطعة راينلاند- بفالتز، وأرغب بالانتقال إلى مقاطعة شمال الراين، وبعد إنهاء تسجيلي في مكتب العمل،ومدرسة تعلّم اللغة، أخبرني الموظف في مكتب الأجانب بقرار إعادتي إلى المقاطعة التي أتيت منها". قد يكون من الطبيعي أن ينجذب المهاجرون الجُدد إلى أبناء جلدتهم، ويحاولون العيش إلى جانبهم، إلا أنّ هذا الأمر حسب آراء عديدة قد يؤثر سلباً على اندماجهم مع الآخرين، ومن جانب آخر يرى بعضهم أنّ وجودهم إلى جانب بعضهم يُعزز من قدرتهم على الاندماج دون التخلّي عن هويّتهم. #gyllery#