لنتكلم بصراحة، ليس معروفاً عنا نحن المصريين تقدير قيمة الوقت.بالطبع فينا من يحترم المواعيد ويقدر أهمية اتخاذ القرار فى الوقت المناسب، لكن الوقت فى حياتنا يبقى بشكل عام مورداً مهملاً لا ننظر إليه كشرط لا غنى عنه للنجاح. وها نحن نهدر ثروة الوقت بعد الثورة وبلا حساب، نتأخر فيما كان يجب أن نتقدم فيه، ونتقدم فيما كان يجب أن نتمهل بشأنه. أكثر من عامين والوقت يتسرب من بين أيدينا، كان بإمكاننا أن نفعل الكثير، لكننا أهدرنا الوقت وأضعنا زخماً فجرته الثورة، بل حولنا الوقت إلى عبء وسبب للتوتر والقلق، وبدلاً من أن نختصر ونحرق المراحل ماطلنا فحرقنا أعصابنا وأحياناً أنفسنا. وأخشى أن أقول إن الوقت لم يعد يسعفنا، قرارات مصيرية كان لا بد أن تتخذ إلى الآن لم تتخذ؛ كان يجب تغيير الحكومة لكنها بقيت متحدية الوقت ورغبات المصريين، وكان يتعين تنظيم حوار وطنى صادق النوايا منذ أول يوم بعد إزاحة مبارك، لكن الحوار الصادق لم ينعقد إلى اليوم، وكأن الوقت كلمة ليس لها وجود فى القاموس السياسى المصرى. الوقت يمضى وسعر الدولار يرتفع وتتراجع معه قدرة البلد على توفير واردات لا يستغنى عنها المواطنون، والوقت يمضى ومشاعر الغضب تتفاقم بعد أن كانت تهدئتها ممكنة فى توقيت مبكر. لدينا عصيان مدنى جزئى أشبه بجرس إنذار ينبه إلى ضرورة العمل بأقصى سرعة لتلافى انفجار قادم قد لا تسعف معه غير التدخلات الجراحية، وحتى الجراحة قد تأتى بعد أن يكون وقتها قد فات. وعلى الأبواب انتخابات نيابية نسأل الله الستر لما سيرافقها ويعقبها، فتوقيت الانتخابات مهزلة بكل المقاييس، الحكومة وحزب الأغلبية يصمون آذانهم ويتعجلون فى تنظيمها، وليتهم يتعجلون بالمثل فى أمور أخرى أهم وأولى، ليتهم سارعوا فعقدوا حواراً مع المعارضة، ليتهم تعجلوا فبادروا إلى تغيير مواد الدستور الخلافية حتى نذهب باطمئنان إلى الانتخابات، ليتهم تعجلوا وخلصونا من هيمنة مكتب الإرشاد الذى يستطيع أن يرشد جماعته لكنه لا يمكن أن يرشد البلد، ليتهم تعجلوا وفهموا أن الإخوان المسلمين ليس أمامهم إلا بديلاً من اثنين: إما أن يتغيروا أو يتغيروا؛ أن يتغيروا فى سلوكهم ومدركاتهم أو يتغيروا عندما يحملوا بسبب فشلهم على ترك مواقعهم. لكن وللأسف الشديد لا يعى حزب الأغلبية قيمة الوقت إلا بما يخدم فرصته فى الهيمنة، وها هو يصر على تنظيم الانتخابات فى بلد منقسم، وهذه مخاطرة، إما أن تنتهى بتفجير الغضب من جديد أو بالتنكيل بآدمية المصريين السياسية لأربعين سنة أخرى كما فعل الحزب الوطنى. أما المعارضة فتنافس الحكومة فى سوء تقدير قيمة الوقت، لم تستغله منذ اللحظة الأولى لتسعف نفسها، فكيف لها أن تسعف الوطن؟ الناس لم تعد تصدق أن المعارضة بعد الوقت الذى أضاعته قادرة على إنقاذ الوطن؛ كان يجب عليها أن تتعجل فتنظم صفوفها مبكراً، وليتها تعجلت بالتواصل مع الناس فى القرى والمدن قبل أن تتعجل بالظهور الإعلامى الاستعراضى، ليتها تعجلت ورتبت للانتخابات القادمة بعناية لتحقق التوازن المفقود، فليس أفضل من هذا التوقيت للمعارضة لتهزم الحرية والعدالة، فالأخطاء الرهيبة التى وقع فيها كفيلة فى أى مجتمع سياسى طبيعى بأن تسقط الحكومة وتأتى بالمعارضة، لكن المعارضة وفرت لحزب الأغلبية الفرصة مقدماً للفوز بالانتخابات بالرغم من تصرفاته المعيبة وإدارته السيئة. هل يا ترى يهدر المصريون الوقت لأنهم تربوا على فكرة الخلود التى جعلتهم لا يقدرون الوقت حق قدره؟ ربما. يبقى أن السياسة الناجحة لا تتمثل فقط فى إصدار قرار سليم فى مضمونه بل وسليم أيضاً فى توقيته، وفى بلدنا قرارات معيبة فى المضمون والتوقيت، فكيف بالله سنسعف أنفسنا ونحن لا ندرك أن الوقت لم يعد يسعفنا؟