نويت أن أكتب هذا الأسبوع فى أمر شديد الأهمية، دون أن ألجأ إلى استخدام ألفاظ ملتهبة، ولا عبارات متفجرة.. لا أحذّر أو أُنذر أو أُنبّه أو أُطْلق «صفارة» الخطر.. لا أصرخ ولا أضرب على المنضدة، فقد ثبت لى أن الكثير من هذا يذهب سُدًى، وأن الهمس الهادئ يكون أحياناً أبلغ وأعمق تأثيراً من العبارات النارية. دعونى أجرب حديثاً منهجيًّا غير انفعالى؛ لعله يحقق مراده قبل أن يأتى الغد القريب ومعه الصيف.. أراد الله عز وجل أن نمر بتلك الموجة الحارة، أو تمر هى بنا فى هذا التوقيت حتى نبدأ فوراً الاستعداد للصيف. لا يأتى فى مقدمة وسائل الاستعداد التى أعنيها شراء «مايوه» جديد، أو حجز المصيف فى جنوبفرنسا أو فى أى جنوب آخر، فأهم شىء رصدناه فى الأعوام الماضية هو أزمات الطاقة التى عانينا منها جميعاً، وجعلتنا نتعلم السير فى الظلام. أتناول الموضوع من الآن، عندما لاحظت شروع البعض فى الاستعداد لانقطاع التيار الكهربائى بشراء مولدات احتياطية.. استثمارات ضخمة جدًّا توشك أن تُهدر، وهى فى نفس الوقت مؤشر إيجابى لاهتمام شعبى كبير واستعداد للمساهمة المادية فى حل الأزمة. مطلوب من الحكومة إذن أن تبادر بإعلان خطتها التفصيلية لتوفير الطاقة الكهربائية خلال شهور الصيف الستة التى تبدأ من منتصف أبريل وتستمر حتى منتصف أكتوبر من كل عام، مع الإسراع بتحفيز الجميع على التخلص من اللمبات القديمة واستخدام لمبات موفرة بدلاً منها. سنقوم بالاستبدال الإيجابى عندما ندرك أن ذلك سيكون هو السبيل الوحيد لاستمرار التيار دون انقطاع.. كذلك لا بد من دراسة تعريفة صيفية لقيمة الاستهلاك، تعريفة تظل فيها المعدلات القليلة بنفس سعرها، مع رفع قيمة الاستهلاك العالى، حتى يصل بعد حد معين إلى التكلفة الفعلية التى تتحملها الدولة لشراء أو استيراد الوقود الذى تدور به محطات الكهرباء لتفى باحتياجاتنا.. يؤسفنى أن أروج لنظرية «بفلوسى»، فهى نظرية شديدة الأنانية، ولكنها يمكن أن تُستخدم لفترة محدودة، حتى يزداد وعينا بوسائل الترشيد وسبل الحياة بأقل قدر ممكن من الطاقة. نظرية «بفلوسى» تسقط -بإذن الله- عندما تتغير ثقافة الأنانية الحمقاء، ويدرك كل منا أن مصلحته تتفق مع مصالح الآخرين.. لا نريد أن نعيد تجربة تيتانيك، حيث ينجو أو يفوز القادرون وحدهم! نحل المشكلة بكل الوسائل، ومنها فتح الشبابيك، وتشغيل المراوح بدلاً من التكييفات، مع تركيب شرائح السلك لمنع دخول الحشرات، أو العودة «للناموسية بتاعة السرير أبوعمدان».. لا استخدام مسائيًّا لآلات الكى وغلى الماء وتصفيف الشعر أو تجفيفه.. فتح الثلاجة يكون بحساب، وهكذا... أتمنى أن تتطوع كل القنوات التليفزيونية لعرض حملات ترشيد الكهرباء دون مقابل، حتى لا ينقطع التيار فلا يشاهدها أحد.. الاستيقاظ وبدء العمل مبكراً لم يعد اختياراً يحتمل المفاضلة بينه وبين النوم للظهر، بل هو واجب أخلاقى لا بد منه.. وعلى الرومانسيين الذين يستخدمون الشموع أن يفعلوا ذلك بحذر شديد حتى لا تنشب الحرائق. يجب أن تكون هناك اشتراطات دقيقة لكيفية استخدام الطاقة فى المكاتب والمصانع وجميع مؤسسات الدولة، العامة منها والخاصة على حد سواء، وفقاً لتطبيقات لا تعترف بأدنى درجات الاستثناءات.. آمل ألا ننسى أمراض الصيف، وصيانة أجهزة تبريد محركات السيارات، حتى لا تتعطل فوق الكبارى والمحاور المهمة، فيكفى ما هى عليه من انسداد مزمن! الطريق طويل، وهو ما يفرض علينا أن نبدأ الاستعداد من الآن، فالصيف غداً، دون مبالغة أو تهويل.