لا أعرف ما إذا كان الرئيس مرسى يعرف حجم الأزمة التى تعانيها مصر الآن، أو يدرك مدى فداحة المخاطر التى يمكن أن تقودنا طريقته فى إدارة الأمور إليها، لكننى أعتقد أن هناك من يعلم ويدرك ويحلل الأوضاع التى نمر بها من بين قادة جماعة «الإخوان المسلمين». وسواء كان الرئيس قادراً على اتخاذ قرارات استراتيجية، تترتب عليها تحولات جوهرية، أو كانت تلك القرارات فى يد «الجماعة» وحدها؛ فإن وضع السيناريوهات المتاحة للخروج من الأزمة أمام الأطراف المعنية يمكن أن يسهم فى ترجيح السيناريو الأفضل، إذا كانت هناك نية فعلاً لانتهاج سياسات أقل خطلاً وإخفاقاً وأكثر اقتراباً من العقل والمنطق لإنقاذنا جميعاً من كارثة باتت أقرب إلينا من أى وقت مضى. السيناريو الأول يمكن تسميته ب«سيناريو الاستعلاء والحسم»؛ وفى هذا السيناريو ستتقوى جماعة «الإخوان» بما تعتقد أنه شرعيتها المستمدة من نتائج الانتخابات، وسندها الشعبى الممثل فى قواعدها وحلفائها والمتعاطفين معها، والدعم الخارجى اللامحدود من الولاياتالمتحدة والغرب عموماً وقطر وتركيا. ستستند «الجماعة» إلى مصادر القوة المتعددة تلك، وستستند أيضاً إلى جهاز الدولة الذى باتت تتحكم فى مفاصله، والشرطة التى تحاول استخدامها كعصا لقمع مناوئيها، والقوى الصلبة المتمثلة فى ميليشياتها والمناصرين لها من أتباع «التيارات الحركية» الإسلامية. وستحسم «الجماعة» معركتها الراهنة مع مناوئيها وخصومها وأطياف الشعب المصرى المعارضة الأخرى عبر سلسلة من القرارات الحاسمة، والإبعاد، والقمع، والاعتقال، وفرض الحصار، والاغتيال المادى والمعنوى أو التهديد بهما، واستخدام أدوات القانون المطوع لصالحها، وستنتج وضعاً استبدادياً جديداً بغطاء «تصويتى» مستمد من نتائج الصناديق، وغطاء أخلاقى مستمد من تصنيفها لنفسها بأنها «ممثل الإسلام والشرعية»، وتصنيفها لخصومها باعتبارهم «كفاراً وعملاء وأعداء للوطن». السيناريو الثانى يمكن تسميته بسيناريو «شغل المسرح»؛ وهو سيناريو يعتمد على التسويف والمماطلة، وإطفاء الحرائق، والتعويل على الوقت، واستهلاك طاقة المعارضين، ومحاولة اللعب على التناقضات بينهم لشق صفوفهم، و«شيطنة» الاحتجاجات والتظاهرات، بوصفها «تعطيلاً لحال البلد»، وصولاً إلى تحسين «الجماعة» أوضاعها السياسية، وتعزيز تمركزها فى مفاصل السلطة، واستكمال خطة «أخونة ناعمة» لمراكز القرار، تمكنها من الخروج من الأزمة الراهنة بأقل تكاليف وتنازلات ممكنة. السيناريو الثالث يمكن تسميته بسيناريو «التنازلات التكتيكية المؤلمة»؛ وفى هذا السيناريو ستقدم «الجماعة» تنازلات حقيقية ملموسة، تعكس إدراكها لخطورة الموقف، ورغبتها فى إيجاد حلول متوازنة. ومن بين الحلول التى ستقدمها «الجماعة» فى هذا الصدد التجاوب مع مطالب الحركة الوطنية المتمثلة فى تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على الانتخابات المقبلة، والكف عن سياسات «الأخونة» وتعميق الاستقطاب، والتجاوب مع مطالب تعديل قانون الانتخاب، وتقديم ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات المنتظرة، وغلّ يدها عن العبث بسلطة القضاء واستهداف المؤسسة العسكرية، وإجراء التحقيقات الشفافة الناجعة فى التجاوزات الأخيرة بحق المتظاهرين والناشطين. أما السيناريو الرابع فيمكن تسميته بسيناريو «الحل الاستراتيجى»، وسيستند هذا السيناريو إلى إدراك «الجماعة» أن استمرار شغل الرئيس مرسى لموقعه سيكبدها خسائر استراتيجية فادحة، بعدما أظهرت الوقائع المتلاحقة تدنياً كبيراً فى قدراته ومهاراته اللازمة للنهوض بأعباء شغل هذا الموقع، وبعدما بات واضحاً أن «الجماعة» تخسر من سمعتها المحلية والإقليمية والدولية جرّاء الأداء المتخبط لمؤسسة الرئاسة، بشكل ينال من مستقبلها السياسى فى الداخل والخارج، ويعرّض البلاد للسقوط فى الوقت ذاته. وستعمد «الجماعة» من خلال هذا السيناريو إلى الموافقة على مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهى الانتخابات التى ستُفقدها على الأرجح منصب الرئيس، لكنها فى الوقت ذاته ستعزز وجودها برلمانياً، وستمكنها من العودة لبناء سمعتها من جديد، بعدما فقدت الاعتبارين السياسى والأخلاقى، بسبب الأداء المزرى الذى صدر عنها وعن حكومتها وبرلمانها وجمعيتها التأسيسية وقواعدها التنظيمية وحلفائها التقليديين. تشعر جماعة «الإخوان» بأنها وصلت إلى سدة الحكم فى مصر من خلال «معونة ربانية»، وتقنعها تربيتها السياسية بضرورة «المجالدة»، وتكرس إيمانها ب«حتمية النصر»، وبسبب افتقادها لنزعة المجازفة، ومخاوفها العميقة من الهزيمة الكاملة المعلنة، فإنها لن تلجأ إلى «الحسم»، وبسبب نزعتها البراجماتية، وسلوكها الانتهازى، ورغبتها العارمة فى القبض على السلطة، فإنها لن تلجأ إلى سيناريو «الحل الاستراتيجى». يبدو إذن أن «الجماعة» تفضل العمل على استهلاك الوقت أو «شغل المسرح»، لحين استنفاد قوة المعارضة وطاقتها، لكنها قد تضطر إلى اللجوء لسيناريو «التنازلات التكتيكية»، إذا وجد الضغط المُلح العاقل وتواصل بلا انقطاع أو كلل.