لا شك أن الأمثال الشعبية المصرية نابضة من تجارب ومواقف، وغالباً ما نستعين بها لتوضيح بعض الأمور، سواء كانت جادة أو داعية للفكاهة والبهجة، وفى الآونة الأخيرة تعالى سهم المثل القائل «سبعة صنايع والبخت ضايع» فى بورصة الأمثال الشعبية المصرية، وأصبح فى القمة؛ لأسباب عديدة أولها: البطالة، وثانيها: أننا دائما ننظر إلى أنفسنا على أننا الأفضل، ودائما أحسن من غيرنا، واللى نعرفه إحنا ما حدش يعرفه، وسيبك من أى حد، مفيش زى المصرى، وأنا بشتغل الصبح هنا فى الحكومة وآخر النهار بقلب عيشى مع أصحابى فى التجارة، وبالليل مشغول فى سبوبة العربيات القديمة، وأهو مفيش حظ.. أمال لو فى حظ كنت عملت إيه؟ المشكلة أننا نبحث عن عمل أو مهنة واحدة نهرب من خلالها من شبح البطالة، وعندما نمتهن مهنة أو ندخل كيانا له اتجاه معين نحاول أن نكسب كل الأطراف فنكون على جميع الأشكال والألوان، وما أكثر الذين تلونوا فى الآونة الأخيرة بكل ألوان الطيف فى الإعلام مثلا. وهذا طبيعى وفقاً للثقافة التى اعتدنا عليها ولأننا أصحاب «سبعة صنايع» نستطيع أن نظهر بسبعة أشكال فى الحلقة الواحدة، ومن النادر فى الآونة الأخيرة أن تجد فردا صاحب صنعة واحدة أو جماعة لها انتماء واحد وكيان واحد. وبمنطق التخصص خرجت علينا فجأة «كيانات» جماهير الألتراس بكل ألوانها، الأحمر والأبيض والأصفر، بانتماءات مختلفة واتجاه واحد، هو تشجيع الفرق الرياضية التابعة للكيان الخاص بها، فإذا كان «ألتراس أهلاو» فهو من «تالتة شمال بنهز جبال»، يغرد ويشجع فريقه، وإذا كان فى «التالتة يمين» فهو وايت نايتس الزمالكاوى «أسياد أفريقيا» يشجعون ببسالة الفريق الأبيض بقوة وحب رغم العثرات الأخيرة، فالكيان كان تحت هدف واحد وأسماء مختلفة. وبعد الثورة وظهور الحركات السياسية مثل 6 أبريل وغيرها اختلط الحابل بالنابل، وأصبح المثل الشعبى «سبعة صنايع والبخت ضايع» هو الأول دون مقارنة، وبدخول شباب الألتراس إلى معترك السياسية خسروا كثيراً، وخسارتهم لا تقل عن دخول الرياضيين نفس المجال، وفى مقدمتهم محمد أبوتريكة الذى أعلن عن اعتذاره عن آرائه السياسية وأكد أنها غلطة كبيرة.. وبين الشد والجذب بين التيارات السياسية والأحزاب فى التقرب إلى جماهير «الألتراس» واستغلالها سياسيا أصبح ل«الألتراس» نفسه تطلع سياسى وهو الخطأ الأكبر والغلطة الكبرى التى ستجعل «الألتراس» يضل الطريق ويغيب عن مقاعده فى الملاعب المصرية، فقبول «وايت نايتس» على مساندة «حازمون» أمام مدينة الإنتاج الإعلامى خطأ كبير، ودعمهم لبعض التيارات السياسية خطأ أكبر؛ لأنهم كيان خُلق من أجل الرياضة فقط. ولا مانع بشكل شخصى من أن يكون لهم ميول سياسية كأفراد، ولكن أن يتم الزج باسم المجموعة وبكيان «الألتراس» فى المحفل السياسى فهذا مرفوض، ولعل ندم «ألتراس أهلاوى» على مشاركته الجمعة الماضى فى وقفة ضد المجلس العسكرى هو الخطأ الأعظم؛ لأنهم خرجوا به عن دائرة الرياضة واحترفوا السياسة، وإذا كان المسئولون داخل البلاد قد تحملوا خروج «الألتراس» عن النص فى الفترة الماضية تحت دعوى حق الشهيد والكل ساندهم فى هذا، فلا مجال لذلك الآن، بعد قرار المحكمة فى 26 يناير الماضى بإحالة 21 متهما لفضيلة المفتى، وانتظار الحكم النهائى فى 9 مارس المقبل ينهى جميع الأعذار، فإذا انطبق المثل الشعبى «سبعة صنايع» على «الألتراس» وأصبحوا «بتوع كله» من الآخر فعلى الدنيا السلامة؛ لأن «الألتراس» خُلق للمدرجات والتشجيع ومساندة الفرق الرياضية ورفض «الألتراس» حضور مباراة الأهلى فى السوبر الأفريقى أكبر دليل على اختراقه وأنه أصبح «ألتراس» سياسيا وليس رياضيا، وضاعت هويته الأولى وأصبح مثل غيره وتدخل فيما لا يعنيه وضل طريقه بل وتخلى عن فريقه فى وقت الشدة؛ فهذا هو النداء الأخير إلى جماهير «الألتراس»: عودوا إلى مدرجاتكم، أمتعونا بدخلاتكم، ابعدوا عن السياسة فأنتم الكيان الكبير صاحب التشجيع العظيم؛ فإذا دخلتم معترك السياسة فالبقاء لله ونسألكم قراءة الفاتحة على الشهداء.