لست من أنصار إلقاء مسئولية الأزمة السياسية الراهنة على الحكم بمفرده، وكتبت أكثر من مرة خلال الأيام الماضية مطالباً الحكم والمعارضة بممارسة النقد الذاتى والبحث عن حلول حقيقية لأزمة تعصف بمصر الدولة والمجتمع، واقترحت تشكيل خلية/مجموعة مستقلة لإدارة الأزمة تلزم الرئيس وحزب الحرية والعدالة وكذلك جبهة الإنقاذ، بحلول توافقية أو على الأقل تضعهم فى مواجهة الرأى العام أمام مسئولياتهم. واليوم أطالب الحكم، الرئيس وجماعته وحزبها، بضرورة سرعة حسم موقفه ودون مماطلة من قضايا الدستور والحكومة والنائب العام. فموقف جبهة الإنقاذ الوطنى، بل وقوى سياسية أخرى بعيدة عنها أيديولوجيا كحزب النور وحزب مصر القوية، هو تكليف لجنة مستقلة باقتراح التعديلات الدستورية والتزام كافة القوى بتمريرها بغض النظر عن توازنات الأغلبية والأقلية فى مجلس النواب القادم وتشكيل حكومة جديدة الآن وتعيين نائب عام جديد وفقاً للمعايير المنصوص عليها فى الدستور (والتى تعطى الاختصاص هنا لمجلس القضاء الأعلى وليس لرئيس الجمهورية). المماطلة والرمادية تسمان الآن موقف الحكم، الذى لا يتحدث بلغة واضحة لا عن الدستور أو الحكومة أو النائب العام، ولا يوظف من أدوات السياسة إلا تجديد الدعوة لما يسميه الحوار الوطنى. رهان الحكم وهو يماطل وينتج المواقف الرمادية هو على عنصر الوقت، أن يصل الرئيس إلى بدء إجراءات الانتخابات البرلمانية دون تغيير فى الدستور أو الحكومة أو النائب العام، ثم تنشغل السياسة المصرية وقوى المعارضة فى تحديد مواقفها من الانتخابات (مقاطعة أو مشاركة) وتنظيم صفوفها. أما أداة «الحوار الوطنى» فلها أيضاً وظيفة محددة، «الصورة» أو «اللقطة» للقاء الحكم والمعارضة على مائدة واحدة (هى حتى لا تسمى مائدة مفاوضات، بل مائدة حوار عليها من أنصار وأتباع الحكم عدد غير قليل) والتى ستوظف داخلياً والأهم خارجياً، للتدليل على رغبة الحكم فى التوافق الوطنى والبحث عن حلول وسط لقضايا السياسة فى مصر، والحقيقة أبعد ما تكون عن هذا. مصر فى أزمتها الراهنة لا تملك ترف المماطلة والرمادية، وعنصر الوقت الذى يراهن عليه الحكم يعمل ضد المصلحة الوطنية التى ينبغى أن تدفع لحل الأزمة السياسية لإنقاذ الاقتصاد من كارثة والأمن من تدهور جديد ومؤسسات الدولة من تحلل وانهيار. الكرة فى ملعب الحكم، مصر تريد موقفاً واضحاً من الدستور وتعديلاته، والحكومة وتغييرها، والنائب العام، وعلى الرئيس وجماعته وحزبها أن يخاطبوا الرأى العام بموقف واضح ويكفوا عن الاختباء خلف الدعوة إلى حوار يفتقد مقومات النجاح. وتستطيع المعارضة أن ترفع من الضغط السياسى على الحكم لوقف مماطلته بأن تعلن عن فترة زمنية محددة، ولتكن إلى 25 فبراير 2013 (موعد بدء إجراءات الانتخابات البرلمانية)، فإما يعلن بها الحكم عن موقف واضح بشأن الدستور والحكومة والنائب العام، أو تعلن المعارضة عن انسحابها من العملية السياسية الرسمية بالكامل بما فى ذلك مقاطعتها للانتخابات.