بعد الغزو الأمريكى للعراق ونتيجة تطور تكنولوجيا البث التليفزيونى، انفجرت السماوات العربية بفيروس القنوات الدينية، عشرات من القنوات الطائفية، سنية فى مواجهة شيعية، وقنوات إسلامية ضد قنوات مسيحية، وقنوات سلفية متشددة وأخرى معتدلة، حتى وصل عدد القنوات الدينية إلى 150 قناة عربية!!. العدد كبير، ويثير أسئلة كثيرة عن مصادر تمويل وإدارة هذه القنوات، والمضامين التى تقدمها، والأهم جمهورها، وإلى أى مدى يتأثر هذا الجمهور بخطابات الكراهية والتحريض للآخر التى تنتجها وتروجها أغلبية القنوات الدينية، ورغم عدم إجراء دراسات كافية عن تأثير تلك القنوات فى الجمهور، فإنه يمكن القول بأنها مسئولة جزئياً عن تراجع قيم التسامح وقبول الآخر، بل وإثارة بعض الفتن الطائفية فى مصر والعراق، فضلاً عن بعض ممارسات العنف باسم الإسلام فى عديد من الدول العربية. الفرضية التى أطرحها هنا أن القنوات الدينية مؤثرة، رغم ضعف إمكانياتها الإعلامية، وافتقارها للحد الأدنى من معايير العمل الإعلامى، فأغلب القنوات الإسلامية لا تعتمد على الصورة وتقدم برامج وعظية إرشادية، أى أنها تفتقر للأخبار ولتنوع البرامج والآراء، كما تستبعد المرأة ولا تسمح بظهورها كمقدمة برامج أو كضيفة، ومع ذلك فإن لهذه القنوات جمهورها، الذى يفضلها ويتأثر بها، لأنه بالأساس جمهور مؤدلج، يعتقد بأن الدين الذى تقدمه قناة معينة أو عدد من القنوات هو الدين الصحيح الذى يجب الالتزام به ورؤية العالم من خلاله، والتعامل مع البشر الآخرين وفق توجيهاته!! خصائص هذا الجمهور لم تخضع للدراسات الإعلامية والسوسيولوجية، لكنى أعتقد أنه جمهور منغلق على نفسه ضيق الأفق، يكره الجديد أو المختلف عن قناعاته، بغض النظر عن مستواه الطبقى أو التعليمى، فى عبارة موجزة هو جمهور يبحث فى الإعلام عما يؤكد أفكاره وقناعاته، ما يعنى أنه يعيد إنتاج نفسه، وبالتالى يمارس هذا الجمهور ما يعرف بالتلقى السلبى والقبول السلبى لكل المضامين التى تقدم له من قنوات دينية، لديه أصلاً ثقة كبيرة فى مصداقيتها وعلم وصدق عدد محدود من فقهاء الفضائيات الذين صاروا نجوماً وعلماء رغم تواضع مستواهم الفقهى وتناقض مواقفهم. وهنا تكمن خطورة تسليم هذا الجمهور أو قطاعات منه بالفتاوى المنحرفة فقهياً أو المتطرفة فقهياً والتى تحض على كراهية الآخر وعدم تهنئته فى الأعياد أو قتل المعارضين للرئيس مرسى. مأساة تلك القنوات أنها ليست قنوات إعلامية مهنية بل منابر دعائية تحريضية، وبالتالى لا تصمد أمام أى تقييم إعلامى يعتمد معايير الأداء الإعلامى الاحترافى ومواثيق الشرف، وهنا يقال دائماً إنها منابر للدعوة الدينية ونشر وتبسيط المعارف الدينية، لكنها ليست كذلك فقد تحولت إلى السياسة، وتتاجر بالدين عبر الإعلام، ومن حقنا أن نطرح أسئلة بديهية -لا يطرحها جمهور القنوات الدينية- مثل من يمول تلك القنوات وكيف تعمل رغم أنها لا تبث إعلانات أو تبث إعلانات محدودة لا يمكنها أن تغطى تكلفة التشغيل، خاصة أجور بعض المذيعين الفقهاء فى القنوات؟ ولابد أن ننشغل بالتفكير فى أسباب تحول القنوات الإسلامية المصرية من الدين للسياسة، وخلطها المتعمد بين الدعوى والسياسى، وتوظيفها فى الدعاية الانتخابية لمرشحى التيار الإسلاموى فى البرلمان، ثم الدعاية للرئيس، ومن حقنا أن نذكر الجميع بأن تلك القنوات لم تتخذ موقفاً معارضاً من نظام مبارك، وكان بعضها يؤيد مبارك ويسبح بحمده. لكنها بعد الثورة تغيرت تماماً وأصبحت فى مقدمة المهاجمين للنظام القديم ورموزه، واستخدمت لغة خطاب صادمة وخارجة عن الآداب العامة، ومواثيق الشرف الإعلامى، وكانت المفارقة أن السب والشتائم انطلقت من أفواه رجال دين ومقدمى برامج مشهورة، فى تناقض صارح مع الصورة الذهنية المفترض توافرها فى رجال الدين أو اللغة التى يجب أن تستعملها قنوات إسلامية!!. والغريب أن قاموس الشتائم نفسه علاوة على التحريض على القتل ينصب حالياً على كل المعارضين للرئيس مرسى وجماعته، لذلك كل هذه التجاوزات غير الأخلاقية وغير القانونية تمارس يومياً ووزير الإعلام صامت، ولا حديث لديه أو جماعته سوى تجاوزات الفضائيات الإخبارية والعامة، رغم أن تجاوزاتها وأخطاءها تظل ضمن اجتهاد البشر وأخطائهم، بينما أخطاء القنوات الإسلامية تدّعى الحديث باسم الإسلام والدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية!! ورسالتى باختصار أن تحاسب القنوات الدينية مثل بقية القنوات وفق القانون ومواثيق الشرف الإعلامى، بدون تفرقة أو تمييز بينهما.