هناك قاعدة كلية تعد من أهم وأخطر مبادئ القيادة، تقول: «إن تجانس المجتمع، وتماسكه، هو دليل بالضرورة على قوة القيادة».. وبالتالى العكس سيكون هو الصحيح: «إن تنافر المجتمع، وتفككه، هو دليل بالضرورة على ضعف القيادة». فما نشأت الحاجة للقيادة فى الأساس إلا لتجميع أفراد المجتمع والسير بهم نحو هدف محدد، فإذا تفرق الجمع وتشتت أو غاب الهدف واحتجب، انتفى الغرض من القيادة. فمثلاً، لو أنك دخلت بيتاً ووجدت أهله فى حال اختلاف دائم وتناحر وشجار، وكأن هذا البيت قد تفكك إلى جزر معزولة، كل فرد فيه متحصن فى غرفته أو زاويته الخاصة به، لا يريد ولا يستطيع مشاركة بقية أفراد البيت فى الحياة، لا يطيق صبراً على معاشرتهم ولا هم يطيقون صبراً على معاشرته، فإذا كنت ممن يهتمون بنظرية القيادة، فإن ضعف القيادة أول ما قد يتبادر لذهنك عندما تنظر إلى حال أهل ذلك البيت. ومن ناحية أخرى، يمكن لنا النظر إلى ضعف القيادة على أنه مرض، وتعتبر «كثرة ظهور المبادرات وقت الأزمات» من أهم أعراض ذلك المرض. فالناس إذا فقدت الثقة فى قدرة القيادة على احتواء أزمة معينة، فإنهم يتصرفون بتلقائية لاقتراح حلول مستقلة، كل من وجهة نظره وبما يناسبه، وكلما تظهر مبادرة جديدة ينقسم الناس حولها بين مؤيد ومعارض، فيزيد انقسام المجتمع وتفككه، بينما تتفاقم الأزمة وتتعقد يوماً بعد يوم.. إذن، نحن أمام معادلة منطقية: عدم تجانس + تفكك + كثرة المبادرات عند الأزمات = ضعف فى القيادة. فهل ترى عناصر هذه المعادلة متحققة فى واقعنا الحالى؟ إذا كانت الإجابة (لا)، أى أنك لا ترى فى المجتمع الآن تنافراً أو تفككاً أو لم تلحظ كثرة المبادرات من مختلف الأطراف والتيارات، فإننى أهنئك على هذه الصورة الجميلة للواقع، والتى لا أستطيع رؤيتها من زاويتى، وعلى هذا فإنك ترى أن هناك قيادة قوية رشيدة حكيمة تمسك بزمام الأمور فى البلاد.. إذن، ألف مبروك.. أما إذا كانت الإجابة (نعم)، أى أنك ترى التنافر والتفكك وزحام وعبثية المبادرات فى أوقات الأزمات، فأهلاً بك فى عالم الواقع وحمد الله ع السلامة، فأنت ترى إذن أن هناك ضعفاً أو حتى غياباً للقيادة الخبيرة الرشيدة فى البلاد، وهذا من وجهة نظرى هو بداية العلاج، فلا يرجى شفاء لمريض لا يعترف بمرضه، وكما تعلمنا صغاراً «إن حل المشكلة يبدأ من الاعتراف بوجودها».. فليس مقصدى أن أنقد أداء القيادة السياسية فى البلاد بغرض النقد، وإنما أقصد بكل إخلاص أن نتفق جميعاً على أن هناك مرضا ويحتاج للعلاج، فهناك من يقترح البتر، وهناك من يقترح الصبر، وهناك من يقترح دواءً يراه دون البتر وأرجى من الصبر.. وأنا لا يعنينى فى هذا المقال أن أتحدث عن العلاج، ولكن يعنينى فى المقام الأول أن نتفق على وجود المرض.. فهناك من يقول إن المجتمع هو الذى لا يعطى الفرصة للقيادة حتى تقوم بدورها، وهذا بالتحديد هو ما يؤكد ضعف القيادة، فالقيادة الحقيقية لا تنتظر الإذن فى ممارسة المهام، وإلا تكون القيادة الفعلية لأصحاب الإذن، سواء كانوا من النُخبة أو العَوَام. إذن مرة ثانية، أستحلفك بالله، أنظر للمعادلة بهدوء، واحكم بما يرضى الله وضميرك، وإلا كيف سنبدأ فى مرحلة العلاج، بدون الاتفاق مبدئياً على وجود المرض؟