قضية التحرش الجنسي.. أو ظاهرة التحرش الجنسى لم تعد قاصرة على مجتمع عربى دون الآخر.. وإن تفاوتت نسبة التحرش، إلا أنها تظل العامل المشترك الأعظم الذى تشترك فيه كل المجتمعات العربية.. بعد الصحوة الإسلامية.. وتعكس مدى التناقض فى مجتمعات تعتبر نفسها الأكثر تدينا فى العالم.. وتميّز نفسها بمحاباة الله لها فى الدين.. بينما تناقض روح الأديان الأخلاقية كلها، حيث تنشط وتزدهر فيها كل التجارات المحرمة والممنوعة أكثر منها فى أى بلد أوروبى وغربي.. كتجارة الجنس والدعارة.. حيث أظهرت تقارير مؤسسات دولية بأن المغرب تحتل المرتبة الثانية على صعيد العالم فى تجارة اللحم الأبيض.. بينما تحتل الإمارات المرتبة السادسة فى هذه التجارة المحرمة دوليا، بينما تتظاهر هذه الدول بالتدين والورع! وبالعودة إلى موضوع التحرش بالذات لم تسلم منه ولا دولة عربية، وإن كان بنسب متفاوتة.. ففى مصر وصلت النسبة إلى 83%.. و30% فى لبنان.. والمغرب حتى السعودية واليمن لم تسلم نساؤها من هذه الآفة.. وبرغم أن معظم الدول العربية جرّمت الاغتصاب كأقصى شكل للعنف وأحد أشكال التحرش الجنسي.. إلا أن تخلص الجانى من العقوبة فى حال زواجه بالمعتدى عليها.. لم يترك للضحية أى أمل فى تطبيق أى قانون على المتحرش! ولكن أخطر أشكال التحرش الجنسى هو ما تواجهه المرأة العاملة فى العالم العربي.. لأنها فى موقع الضعيف المحتاج للوظيفة.. وهو الأمر الذى يستغله صاحب العمل استغلالا كبيرا.. لأنه متأكد من أن ضغط الحاجة المادية قد يجبرها لأن ترضخ فى النهاية.. وفى حالات كثيرة حتى وإن صدته ولم تتجاوب معه، فإنها لن تستطيع البوح بمحاولته.. حتى من يعمل معها سيخذلها ويتنكر لها خوفا على وظيفته ومصدر رزقه.. إضافة إلى أن صعوبة إثبات عملية التحرش ينجى المتحرش من العقوبة وتبقى وحدها تواجه ألسنة المجتمع السليطة والتى قد تؤدى أيضا إلى إقصائها مجتمعيا.. بينما يبقى الجانى حرا.. وما قصة الدكتور الفلسطينى الذى حاول ابتزاز طالبة الوظيفة.. بشرط معاشرتها.. وفضحته أمام الكاميرا.. إلا أكبر مثال على النفاق المجتمعى لأننا لم نسمع عن القضية أو محاكمته حتى هذه اللحظة. مقولة رجال الدين المصريين.. بأن المرأة وإن ارتدت حجابا أو نقابا فهى تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية لأنها تشجع الرجال على التحرش بها.. بمجرد خروجها من المنزل واختلاطها بهم يؤكد أجندتهم المجتمعية التى ترتكز على "نساؤكم عوراتكم استروا عوراتكم فى البيوت"، بحيث تعيد المرأة صاغرة راضية، خوفا على سمعتها وعلى عدم تعرضها لأى تحرش، إلى البيت.. وهو ما يؤكده ناشطون فى هذا المجال.. ففى ندوة عقدت فى القاهرة حذروا من أن التحرش الجنسى بالمرأة سيدفعها للعودة إلى المنزل.. وأضيف أن عودتها هذه ستتضمن القبول بكل شروط الزوج والمجتمع.. فى قوانين مجحفة وظالمة.. تصاغ دستوريا من أحزاب تضع الشريعة فى قمة أولوياتها.. غير عابئة بأن الشريعة خضعت وتخضع لتفسيرات وتأويلات بشرية بعيدة كل البعد عن عدالة الله التى نشأنا مؤمنين بها.. ولا تمت أو تنتمى للقرن الحادى والعشرين.. ولن تصبح بأى طريقة صالحة لكل زمان ومكان، بل ستبقى خاضعة لتأويلات وتفسيرات متعددة تصبح مضيعة للوقت والجهد فى زمان نحن بحاجة فيه إلى كل المجهودات الخلاقة لصنع مجتمع حضاري أخلاقى يحظى باحترام العالم.. من أبرز سمات هذا العصر، عصر العولمة والسرعة والتقنيات الحديثة والرفاهة الاصطناعية، هى تنامى ضغوطات الحياة وأعبائها، مما جعل الإنسان يفقد تلك الراحة النفسية التى كان يجدها فيما قبل، وأصبح كل وقته محجوزا للعمل المتواصل بغية تحقيق أكبر حد ممكن من المكاسب المادية على حساب راحته النفسية, كما زادت نسبة الجريمة (سرقة، خطف، قتل، اغتصاب، دعارة، إدمان)، وكثرت الضوضاء وارتفعت معدلات التلوث بكل أشكاله وبدأت القيم الأخلاقية فى التلاشى والانهيار، وأصبحت المجتمعات تعانى من التفكك وكثرة المشاكل الأسرية وتفتت العلاقات الاجتماعية. وكنتيجة حتمية ومنطقية لذلك، تكاثرت الأمراض النفسية والعقلية والعصبية. وقد أشارت التقارير الرسمية إلى وجود ما يناهز 400 مليون شخص يعانون من هذه الأمراض والاضطرابات، وقد أثبتت أن نسبة النساء المرضى تفوق نسبة الرجال. كما سجلت معدلات الانتحار أو محاولته أعدادا قياسية رهيبة. والمرض النفسى هو اضطراب يمس نفس الإنسان ويحدث خللا واضحا فى تصرفات الفرد وعقدا من الصعب حلها ويؤثر سلبا على الفكر والأحاسيس والمشاعر والشخصية بطريقة ما تجعل الشخص المصاب يجد صعوبة فى التواصل الاجتماعى وما يلحق ذلك من آلام ومعاناة دائمة، فيصبح منبوذا ومنعزلا عن الناس يفكر طوال الوقت فى مأساته، وأهم الأسباب هى جينية، بيولوجية، شخصية (تتعلق بالشخصية)، اقتصادية – اجتماعية وحياتية (أحداث أليمة وسلبية فى الحياة)، ويهتم علم النفس بكل فروعه، بهذه النوعية والاضطرابات النفسية، بالإضافة إلى الأمراض العقلية والجنون، وهنا يجب علينا أن نميز بين المرض العقلى والاضطراب النفسى، ذلك أن الأمراض العقلية أسبابها عضوية، فأعصاب المخ تصاب بالخلل الوظيفى أو التلف، مما يجعل المريض فاقدا لكل أو أغلب الثوابت التى تجعله يميز بين الخير والشر وغير قادر على الإدراك السليم والتفكير بمنطق عقلى، وقد تكون هذه الأمراض العقلية نتيجة لعقد وأمراض نفسية بالأساس أو لأسباب جينية وراثية حيث يكون للمريض قابلية أكثر من غيره ليصبح مجنونا أو مريضا عقليا، كما أود الإشارة إلى أن درجات الجنون متفاوتة من مرض إلى آخر حسب الحالة. أما المريض النفسى فهو واع ومدرك لما يقوم به بنسبة كبيرة، ويعلم أن حالته تستوجب العلاج على عكس المريض العقلى وهو يسعى جاهدا، فى أغلب الحالات، لإخفاء عقده وهواجسه وميولاته وشذوذه وأهوائه عن الناس بحيث يراه أغلب الناس إنسانا عاديا، وهو بالفعل كذلك إن حاول علاج مرضه. وأغلب المرضى النفسيين يعانون من مشاكل التكييف مع واقعهم، فتجدهم فى صراع داخلى مرير، ويحاولون إيجاد التبريرات حتى يجدوا نوعا من الطمأنينة والراحة وحتى ينسون آلامهم الداخلية، ومن أهم اعراض هذه الأمراض، السلوك غير الاجتماعى وعدم القدرة أو صعوبة الانسجام مع الآخرين، بالإضافة إلى التقلبات المزاجية الفجائية والتحول الخطير فى شخصية الفرد، مع المعاناة بشكل أو بآخر من عدم القدرة على الفهم والإدراك وصعوبة فى التعبير عن الأحاسيس بشكل منطقى، والهلوسة المستمرة وانقلاب منظومة الأنساق والقيم الاجتماعية والأخلاقية، ومزج الواقع بالخيال وصعوبة التفريق بينهما. إن التصدى للظاهرة يمكن أن ينجح من خلال الإعداد والتنظيم لحملات توعية وحملات إعلامية لتوضيح مخاطر الظاهرة والعمل على التصدى لها، بالإضافة إلى استصدار تشريع عاجل من قبل رئيس الجمهورية بمساعدة الخبراء النفسيين والاجتماعيين للحد من التحرش فى الشارع المصري. إن هناك تدريبات نفسية للشباب ستؤهلهم وتعيد القيم والأخلاق قيهم مشيرة إلى أن العامل النفسى يعتبر أحد أسباب التحرش لأن "الشاب فى الغالب يكون فقيرا، عاطلا عن العمل وعنده عوامل نفسية تؤدى إلى التحرش كما يكون عنده شعور بالنقص والغضب ولديه غريزة غير مشبعة وهو يرغب فى الزواج لكن بسبب ظروف اقتصادية معينة فهو غير قادر على ذلك. أيضا هناك التدين الشكلى إلى جانب ضعف دولة القانون. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]