مُعَوَّق، مُعاق، ذو احتياجات خاصة، متحدى الإعاقة.. كلمات ابتكرها الألسنيون للإشارة إلى إنسان فقدَ قدرةً طبيعية يمتلكها سواه من البشر، كالسمع والبصر والكلام والمشى، إلخ. ونلاحظ التدرّجَ اللغوىّ من: «مُعوّق»، إلى: «متحدّى إعاقة». وكأن المصطلح الأخير هو قمّة «التهذّب» فى الحديث عن إنسان حُرِمَ مما نتمتع به نحن: الأصحاء، الأسوياء، غير المُعاقين. لم أحبّ تلك المصطلحات ولا أستخدمها؛ لأن بها عوارا لغويّا وفكريّا هائلا، حتى المهذّب الأخير، أراه خارقاً للمنطق! إن عدنا للنحت اللغوى للمصطلح نجد أن شخصاً ما لديه «إعاقة» ما، لكنه «تحدّاها»، واستطاع العيشَ كما يحيا الطبيعيون. حسنا، وماذا نقول فى إينشتين حين «تحدَّى إعاقة» العقل البشرى المحدود، وابتكر ما ليس بوسع العقول أن يدركه؟ هنا أمامنا خياران: 1- نحن طبيعيون، وإينشتين استثنائى. 2- نحن مُعوّقون، وإينشتين متحدّى إعاقة. لأن إينشتين، وفق المصطلح، حطّم إعاقته البشرية، وفكّر خارج صندوقه المحدود، فجاء بنظرية «النسبية» المُعجزة. تصوروا إينشتين «متحدى إعاقة»! ومن ثم فهو «معوّق»، لأن الكلمتين متساويتان اصطلاحاً! لكننا أبداً لم نقل إن إينشتين «متحدى إعاقة» (لأننا بهذا نعترف بأننا معوّقون)؛ بل نقول إننا طبيعيون، وهو فقط: عبقرىّ، فذّ، استثنائىّ؛ لأنه «تجاوز» نطاقَ محدوديته البشرية، وابتكر ما يفوق قدرات الآخرين. فلماذا، بالتبعية، نقول: إن «الكفيف» معوّق، أو متحدى إعاقة، بينما هو أيضاً قد «تجاوز» محدوديته وتفوّق على مَن يمتلكون البصر؟ عوار لغوىّ سببه رغبتنا فى مديح ذواتنا، ورفضنا الاعتراف بأننا المعوّقون، وهم الاستثنائيون! هيلين كيلر، مثلا: عمياءُ صمّاءُ، أتقنت خمس لغاتٍ، ونالت دكتوراه فى العلوم ودكتوراه فى الفلسفة، ودكتوراه فى الأدب الإنجليزى، وهى معزولة تماماً عن عالمٍ لا تراه ولا تسمعه! أتقنت السباحة والغوص وقيادة العربات والخياطة والتريكو. ألّفتِ الكتبَ وألقتِ المحاضرات فى كل أنحاء العالم. فهل من حسن الأدب وسلامة اللغة أن نقول إنها متحدية إعاقة، ونحن الخاملون، غير مُعاقين؟! يُذكّرنى المصطلحُ الساذج هذا، ببعض أدبيّات التطرّف الدينى: «نحن خيرُ أمّة وسادةُ العالم، وعلينا محاربة الغرب الكافر». وحين تسألُ القائلَ: «ولماذا يا مولانا هم متحضرون متقدمون ونحن متخلّفون متأخرون؟ لماذا يصنعون ونستهلك؟ يفكرون ويبتكرون فنلهث وراء فكرهم ونشترى ابتكاراتهم؟»، فيردّ عليك بصَلَف وغرور و«غباء»: «اللهُ سخّرهم لخدمتنا، لكى نتفرّغ نحن لعبادته!»، نرفض الاعتراف بأنّا «معوقون»! بعمل قياس بين الإنسان والدول: مصرُ دولة عريقة عمرها عشرات القرون؛ لديها حضارة وتاريخ وتراكم (كأنها الحواس والقدرات لدى الإنسان)، بينما أمريكا الدولة الطفلة عمرها 300 عام فقط؛ ليس لديها ما لدينا (كأنها الإعاقة لدى الإنسان). فهل نسمى «أمريكا» دولة «مُتحدّية إعاقة»، ونحن دولة «سوية»؟! يا لسُلطان القلم على الكاتب! جلستُ إلى ورقتى لأكتب عن «المؤسسة التنموية لتمكين ذوى الاحتياجات الخاصة» DASEN، وعن حفل تخريج الدفعة الأولى للمكفوفين وتأهيلهم لسوق العمل، وعن رجال الأعمال الشرفاء الذين رحّبوا بتوظيفهم فى مؤسساتهم، لأناشد الأستاذ مجدى الجلاد للاستفادة بأولئك «الاستثنائيين» فى جريدتنا، فإذا بالقلم ينحرفُ، ليكتب ما كتب، وإذا بى أطيعُه صاغرةً.. وإذاً، للحديث بقية.