توجيهات جديدة من «أوقاف الفيوم» للأئمة: تعزيز الدور التوعوي ومشاركة فعالة في مشروع صكوك الإطعام    وزارة الطيران: المجال الجوي المصري آمن ويعمل بشكل طبيعي    انخفاض أسعار العدس والمكرونة وارتفاع الجبن اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    أسعار السمك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم الجمعة    ارتفاع أسعار الحديد وانخفاض الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    ميناء دمياط يستقبل 5 أوناش رصيف عملاقة بمحطة الحاويات «تحيا مصر 1»    الضربة الإسرائيلية لإيران| «رسالة مُشفرة» تحمل سر استهداف الاحتلال عمق طهران في هذا التوقيت    بعد استهداف إيران.. رئيس الأركان الإسرائيلي: «كل من يحاول تحدينا سيدفع ثمنا باهظا»    منها غلق الملاحة فى الخليج.. تايمز: 5 سيناريوهات محتملة لرد إيران على إسرائيل    مستعدون لأي تضحية.. بيان من الاتحاد الإيراني لكرة القدم بشأن هجوم إسرائيل    مواعيد مباريات الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    محمد هاني: "لم يخطر على بالي انضمام زيزو إلى الأهلي"    المقاولون العرب يهنئ سيراميكا كليوباترا بلقب كأس عاصمة مصر    إنفانتينو: أثق في نجاح كأس العالم للأندية.. ولا نريد ملاعب فارغة بالبطولة    ريال مدريد يقرر التضحية بنجمين بارزين قبل انطلاق الموسم الجديد    بعد الاتفاق مع ليفركوزن.. موعد إعلان ليفربول صفقة فلوريان فيرتز    انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة 2025 الأحد المقبل    أمن الجيزة يعاين مصنع اندلع به حريق في أوسيم    «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا السبت 14 يونيو| إنفوجراف    قبل نهاية الأسبوع المقبل.. موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالإسكندرية    مصرع شخص بطلق ناري أثناء جلوسه على أحد المقاهي بالقليوبية    الأمن يضبط قضايا اتجار في العملات ب10 ملايين جنيه    رئيس بعثة الحج ل"اليوم السابع": تفويج الحجاج بسلاسة ومتابعة دقيقة    ب"فستان أحمر جريء"..ياسمين عبدالعزيز ترقص بحفل زفاف منة عدلي القيعي (صور)    لأول مرة في تاريخ «ترايبيكا».. فيلم مصري يحصد 3 جوائز    إخلاء سبيل والد عريس الشرقية المصاب بمتلازمة داون ووالد عروسه    المركز الكاثوليكي يكرم قناة نايل سينما في عيد الإعلاميين    «الأَوْطَانُ لَيْسَتْ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ» موضوع خطبة الجمعة اليوم    من صمت الصخور إلى دموع الزوار.. جبل أحد يحكي قصة الإسلام الأولى    الصحة: تقديم 2 مليون و367 ألف خدمة علاجية خلال 5 أشهر    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    أحمد هاني: سيراميكا خاض كأس عاصمة مصر بشخصية البطل    وزارة الطيران: المجال الجوي المصرى آمن ويعمل بشكل طبيعي    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 13-6-2025 في محافظة قنا    في ختام رحلة الوفاء.. أسر الشهداء يغادرون المدينة المنورة بقلوب ممتنة    مجلس النواب يناقش الموازنة العامة للدولة (2025/ 2026) الأسبوع المقبل    بعد مقتله.. من هو الجنرال غلام علي رشيد نائب رئيس الأركان الإيراني؟    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 13-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    جعفر: الفوز بكأس مصر كان مهم قبل بداية الموسم المقبل    «سهل أعمل لقطات والناس تحبني».. رد ناري من محمد هاني على منتقديه    الباليه الروسي وفرقة رضا يحييان حفلا بمناسبة العيد الوطنى لروسيا    تغطية خاصة| إسرائيل تبدأ الحرب على إيران    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو التحرش بالأطفال في بورسعيد    الاستماع لشكاوى المواطنين بقرى بئر العبد بشأن انتظام وصول المياه    "مستقبل وطن المنيا" ينفذ معسكرا للخدمة العامة والتشجير بمطاي    عملية شعب كالأسد.. الجيش الإسرائيلي ينفذ هجوما استباقيا لضرب المشروع النووي الإيراني    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يؤكد على دور الإعلام الحيوي في دعم المنظومة الصحية    الأرجنتين تحقق في 38 حالة وفاة مرتبطة بالعلاج بمادة الفنتانيل الملوثة    100% ل 3 طلاب.. إعلان أوائل الابتدائية الأزهرية بأسيوط    تعرف على برامج الدراسة بجامعة السويس الأهلية    دينا عبد الكريم تلتقي بالسفير حبشي استعدادًا لجولة كبرى لبناء قواعد للجبهة الوطنية من المصريين بالخارج    3 أيام متتالية.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    تدريب على الإنعاش القلبي الرئوي الأساسي (BLS) وفقًا لمعايير جمعية القلب الأمريكية AHA    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    الآلاف يشيعون جثمان تاجر الذهب أحمد المسلماني ضحية غدر الصحاب في البحيرة (فيديو وصور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما بكى حمدين عبدالعاطى صباحى
نشر في الوطن يوم 10 - 02 - 2013

سأحدثكم عن فتى مصرى، كأن الطبيعة أنجبته من مخاضات الملح الفرات والعذب الأجاج فوق طين أخضر، ثم وهبته الحياة بصراً بامتداد البحر والنيل والبحيرة والصحراء، وبصيرة بحجم الكون، فنما كفسيلة تحمل كل جينات التنوُّع، تعمد بالماء والرمل وغب فى الطين البرلسى، حتى كان فطامه تمراً ويوسيفياً وفواكه بحر.. ونشأ الفتى على زاد مائدة السماء فقيراً، ككل أبناء الشعب، غنياً بالمدد، قضى شطر حياته الأول متأملاً ارتطام الموج على الشطآن، مترقباً خروج عرائس البحر إليه، فصلى وصام واستقام وابتسم وكتب الأشعار، حتى أصبح مؤهلاً لحمل كل الأمانات مستعيناً بمولاه وأوليائه، فاصطف الناس حوله وخلفه كالإمام يصلى حيناً لغيث السماء، وحينا خلف جنازات الشهداء.
ومن بلطيم إلى القاهرة كانت الرحلة كأنها معراج من ثغر حدودى لسدرة الوطن الأكبر، أحب «ناصر الفقراء»، فأصبح الفتى نصيراً لهم، وفى الجامعة كان طبيعياً أن ينجح فى استفتاء المحبة، ويحظى بثقة كل أقرانه من يسار ويمين ومستقلين وإخوان، فيصبح رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، ويبدأ رحلة كبرى فى النضال لاسترداد الحقوق، من حق المواطن إلى حق الوطن، ومن حقوق العمال والفلاحين والطلاب والصيادين إلى حقوق الأمة فى التوحُّد والوطن فى استقلال الإرادة. عرف أن خير الكلام كلمة تقال أمام سلطان جائر، فجار بها أمام كل السلاطين الجائرين من السادات إلى مبارك إلى مرسى، وكلهم فى الاستبداد سواء، ولم يكن من مسعاه الرافض اغتصاب الحقوق فظاً غليظ القلب، بل كان -دائماً- حازماً شارحاً قوى الحجة والبيان، صلباً لا ينكسر، وليناً لكنه قاطع، وفى كل الحالات هو سلمى لا يسالم ولا يساوم، تعلّم منذ نعومة الأظفار دفع الضريبة، وزهد الغنيمة، عرفته سجون السادات ومبارك وربما تنتظره سجون المرشد، لكنه يظل كسمته الدائم مبتسماً راضياً مرضياً، ويجمع بين التحدى والكبرياء فى باقة حب واثق بالله والوطن.
لا يعرف الناس عنه لحظات البكاء والنشيج، وهى ثلاث، الأولى أن تراه دامعاً يلوذ بالمحراب فى مسجد نفيسة العلم أو سيد الشهداء أو رئيسة الديوان، والثانية أن تراه معذباً فى غياهب السجن، كيوم ضربه جندى الليمان ببيادته تعذيباً ونكالا ًأثناء حبسه متهماً بقيادة الفلاحين احتجاجاً على القانون الجائر بطردهم من جنة أرضهم، والمسمى بقانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية، ساعتها ظل حارس السجن يضرب بمنتهى القسوة حتى تفجّرت ينابيع الدمع فى عين الفتى وقلبه، ولم يبكِ من شدة الضرب، بل من فداحة المفارقة قائلاً له: لا تضرب يا ابن الفلاحين، لقد جئت هنا من أجلك ومن أجل حقك.
أما الثالثة فساعة الفقْد، تراه باكياً ضارعاً عند رحيل الرفاق وصعود الشهداء، وكأنه يذرف دمعتين ووردة، دمعة للفقْد وثانية للقضاء، أما الوردة فرسالة العوض وثأر الحياة من كارهيها.
نعم أحدثكم عن حمدين عبدالعاطى صباحى أخى ورفيقى، وسهم كنانة الله مصر، الكثير لا يعرف وهو لا يقول، لكنى سأفشى عنه سراً، حينما عُرضت عليه بطاح النفط ذهباً، لا ليسكت عن أمر التغيير والثورة، بل لدعم الاستمرار فيها، وكان ذلك فى منتصف الثمانينات، فقال قولته للحاكم العربى «أنا لا أقبل الوطنية بالأجر»، واندهش الحاكم، وشعر بالإهانة الشديدة من رد حمدين، لكنه لم ييأس وظل يحاول بعدها، كما حاول آخرون من مسئولين فى عواصم أخرى، وكان الجواب دائماً «نحن فقراء نعم، لكننا نرفض النضال بالأجر أو بالإيجار».
.. خاض كل معاركه منذ الانتخابات الطلابية للانتخابات الرئاسية، مروراً بانتخابات مجلس الشعب أربع مرات، دون وجود رصيد مالى بحجم أى معركة سوى ما يملكه فى بنك الحب من كنوز العطاء والصدق والمصداقية، وكانت مفاجأة بمقاييس هواة الأرقام والتحليلات الباردة والاستطلاعات المعلّبة، حصوله فى انتخابات الرئاسة على خمسة ملايين صوت دون وجود أرصدة مليونية أو دعم خارجى بأجندة أمريكية أو بترولية، ودون تنظيم يمتد رأسياً وأفقياً فى كل مكان، فرأسماله زاد المحبين، الذين رأوا فى أفعاله وأقواله ما يليق بطموحهم ويحقق مطالبهم ويستعيد حقوقهم الضائعة أو المسكوت عنها.
هذا الغنى بسيرته وثورته، رأيته باكياً بعد أسبوع الدماء والجنازات فى التحرير و«الاتحادية» ومدن القناة والغربية والإسكندرية، يلفه ألم لا يُحتمل وتحديات تفوق قدرة الجبال، لا لأنه فقدَ فى يوم واحد ثلاثة من أعز أبنائه «محمد الجندى وعمرو سعد ومحمد كريستى»، فقد تعود على صبر الشدائد وصلابة المحن، لكنه بكى حينما وجد رأسه وقلبه محاصرين بحزن الثكالى من الأمهات، ونداءات شديدة اللهجة من شباب الثورة والتيار، للتقدم إلى خط المواجهة الأول والعبور على أى توازنات، وكذلك حسابات التوافق السياسى والجبهوى، وهجوم زبانية القصر الرئاسى وفتاوى القتل وبلاغات الاعتقال واتهامات التخريب والعنف.
وبعد صمت حزين وطويل تحدث بأسى نبيل عن رغبته فى الانسحاب، لأنه لا يريد لهذا الصخب والاستقطابات الحادة العنيفة أن تسرق منه سكينته التى لا تفارقه فى الحل والترحال.
لكنه بعد دقائق وحينما استمع إلى صوت أذان المغرب، اعتدل فى جلسته مردداً خلف المؤذن، لحظتها جاءت حفيدته (حلم) مهرولة، فاحتضنها بدفء، وقام للصلاة مع (حى على الصلاة.. حى على الفلاح) كأنه قد تقيأ فى لحظة واحدة كل أوجاعه، حينها بكيتُ من فرط الرضا وصليتُ خلفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.