- من «الاتحادية» عادوا، محملين بأكاليل الغار، تقف زوجاتهم وفتيات الحى يهتفن بوجوه فرحة متشبعة بالفخر: «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا/ يا محلا رجعة ظباطنا من خط النار»، دحروا أعداء الوطن بكل قوة، لقنوا الخونة درسا قاسيا، كلهم، ضباطا وجنودا، أذكياء، لم ينخدعوا كما «أحمد سبع الليل»، نفذوا القانون بما درسوه وما لقنهم إياه قادتهم، قتلوا من يستحق القتل، وسحلوا وعروا، صدق الوزير ساعة قال: «الرئيس أوصانا بالمواطن»، ونِعم الوصية «إيه يعنى لما يموت مليون أو كل الكون/ العمر أصلا مش مضمون/ والناس أعمار».. للعلم مرسى يشغل منصب القائد الأعلى للشرطة، وبحكم القانون والعرف والمنطق والأخلاق، أن يحمل ذات الشخص كلتا الصفتين، فهو رئيس القاتل ووكيل -بحكم الصندوق- عن المقتول، «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، هو ذاك الشخص الباعث عبر أثير التلفاز رسائل تعزية للأم الثكلى، وذاك الشخص القابض بيديه ممتدحا فعل السحل وفعل التعرية وفعل الفاحشة بكل الشعب، باستثناء أبناء بطون القبيلة بين تلال المقطم. - مصائب الدول غالبا ما تكون فى إحدى اثنتين: قادتها أو معارضتها، ونحن مصيبتنا السبت والأحد، قادة ومعارضة، تحمل الصناديق المغلقة بخاتم عزرائيل شبابا دون العشرين، بعضهم صدرت شهادة وفاته قبل أن يستخرج بطاقته الشخصية، ليتصدر المشهد كهول وانتهازيون ومنسحبون وأفاكون، بعضهم نجح فى الوصول إلى منصب رفيع فى الدولة، والآخر يمارس التجارة والسمسرة والدعارة السياسية، والحق أقول لكم: أنتم جميعا، قادة ومعارضة، نخبة منتخبة من حضيض، تستحقون رصاصة الرحمة، وبلا رحمة، وبلا استثناء، من يجلس فوق الكرسى العالى يتخفى فى لحية مفتعلة، يتلعثم فى أقصر آيات الذكر، ويتحدث باسم الله، وشرعية الصندوق، ويزرع فى كل مكان نبتة تشبهه فى كل شىء، فى الثقافة والأخلاق والولاء ومنسوب الذكاء «والحمد لله وأهى زاطت/ والبيه حاطط/ فى كل حتة مدير ظابط، أو حتى حمار» والثانى والثالث والرابع، رموز النخبة، من وجدوا أنفسهم فجأة فوق المشهد، وجدوا من يهتف بأسمائهم، ويحملهم فوق الأعناق، كسروا الأعناق وصعدوا أكثر، نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الشعب وباسم الديمقراطية وباسم كل شىء، وراحوا يقايضون على الصندوق: «إيه يعنى شعب فى ليل ذله/ ضايع كله؟/ ده كفاية بس أما تقوله:/ إحنا الثوار». - وختاما أقول للسيد الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة: لا تشغل بالك بدماء جنودك الذين قُتلوا فى رفح، فنحن شعب يجيد النسيان، وما أنت إلا رئيس، ولا تشغل بالك سيدى القائد الأعلى لجهاز الشرطة بمقتل جيكا وأبوضيف وكريستى والجندى، فما أنت إلا رئيس، ولا تشغل بالك يا رأس السلطة التنفيذية ببورسعيد وأهلها وطنطا وغضبها، والسولار واختفائه والطرقات وتكدسها، فما أنت إلا رئيس «والحمد لله، ولا حول/ مصر الدولة/ غرقانة فى الكدب علاولة/ والشعب احتار/ وكفاية أسيادنا البعدا/ عايشين سعدا/ بفضل ناس تملا المعدة/ وتقول أشعار». ملحوظة: الأشعار المذكورة سالفا من قصيدة للشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم فى أعقاب نكسة يونيو، أى منذ ما يزيد على 45 عاما.