قضى سعيد على أحمد، 68 عاماً، من فدائى السويس، حياته مناضلاً على أرض الغريب، حيث انضم خلال عام 68 لرجال المقاومة فى منظمة تحرير سيناء، واستمر بها لمدة عامين، ثم انضم للمقاومة الشعبية، وشارك رجالها فى صد العدو الإسرائيلى فى معركة الثغرة، وقدم وقتها بطولة أصبحت ذكريات ترويها الأجيال. بعد انتهاء الحرب وانتصار أكتوبر المجيد، ظل عم سعيد يحتفظ بطبيعته الثائرة الرافضة للديكتاتورية، واستبداد الحكام، وشارك فى ثورة يناير، وشاهد أمام عينيه شباب السويس وهو يضحى بحياته، من أجل تحقيق أهداف الثورة من «عيش وحرية وعدالة اجتماعية». وأصبح عم سعيد من الوجوه التى تشاهدها باستمرار داخل ميدان الشهداء بحى الأربعين، فى جميع التظاهرات، ويشارك فى المسيرات الغاضبة ضد النظام، مطالباً بتحقيق أهداف ثورة يناير، وهذا ما دفعه إلى جلب 3 أرغفة فى مظاهرات إحياء ذكرى الثورة فى يوم الجمعة 25 يناير الماضى، التى سقط خلالها 8 من شهداء السويس فى محيط مبنى محافظة السويس، وكتب على الأرغفة الثلاثة أهداف الثورة «عيش وحرية وعدالة اجتماعية» ولافتة مكتوب عليها «لا للكوبونات آه يا حكومة غبية فين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». أثناء الأحداث الدامية فى هذا اليوم التُقِطت صور للافتة والأرغفة مركونة على حائط عمارة «كمبورس» بجوار مبنى المحافظة، والدماء متناثرة عليها وحولها، حتى اعتقد البعض أن صاحب اللافتة والأرغفة الثلاثة قد استُشهد، أو أُصيب خلال الأحداث الأخيرة. «الوطن» نجحت فى التوصل لعم «سعيد»، وتأكدنا أنه ما زال حياً يُرزق ليروى لنا تفاصيل ما حدث له فى هذا اليوم، وسبب تركه للافتته الشهيرة، حيث أكد ل«الوطن» أنه اتجه لميدان الشهداء للمشاركة فى تظاهرات إحياء الذكرى الثانية للثورة عقب صلاة الجمعة، وظل طوال الوقت يرفع لافتته التى تتضمن الأرغفة الثلاثة وعبارته الشهيرة «عيش- حرية- عدالة اجتماعية». وتابع أنه انطلق مع المسيرة عقب صلاة العصر، فى اتجاه ديوان عام محافظة السويس، وبعد اندلاع الاشتباكات بين رجال الشرطة والثوار، كان بصحبته شاب يدعى محمد محمد غريب، يرتبط معه بصلة قرابة، وفجأة حسب رواية عم سعيد، انهالت عليهم القنابل المسيلة للدموع فاضطرا للهروب منها بالقرب من عمارة «كمبورس»، وهناك طاردهما مجموعة من جنود الأمن المركزى، الذين أطلقوا عليهم الرصاص الحى. وأكد عم سعيد أنه التفت حوله بحثاً عن الشاب الذى كان بصحبته حتى وجده خلفه، وهو ملقى على الأرض وغارق فى بركة من الدماء، بعد إصابته برصاصة حية فى الصدر نفذت من الجانب الآخر، واكتشف أنه فارق الحياة، فترك لافتته وحمل جثته واستقل سيارة أجرة لتسليم جثته للمشرحة، ولكن المسئولين عنها رفضوا تسلم الجثة، فذهب بها لمستشفى التأمين الصحى وسلمها هناك. وقال والدموع تملأ عينيه، إن محمد غريب يبلغ من العمر 18 عاماً، طالب بدبلوم التجارة، وإن آخر كلمات قالها له قبل استشهاده: «أنا حاسس يا عم سعيد إن فيه حاجة كبيرة هتحصل النهارده»، وكان لا يدرى أن الحاجة الكبيرة هى استشهاده هو و7 آخرون فى سبيل البحث عن حرية وكرامة هذا الشعب.